التغيير املؤسساتي ودور اخلدمة املدنية

نحن اليوم إزاء متغيرين أساسيني؛ األول نسبة السرقات املـبـاشـرة الـتـي اقتطعت مـن املــال الـعـام والـثـانـي نسبه الـرواتـب من إجمالي دخـل النفط، وكالهما ذو ارتباط مباشر بنمط وتركيبة اإلدارة الحكومية القائمة حاليا، وجــزء ال يتجزأ مـن مكوناتها ومخرجاتها النهائية، فاملتغير األول يتعدى دائــرة الــ 100 مليار دوالر ومن أول جولة؛ والثاني ليس بعيدا عن هذا الرقم ويكفي أنه يمتص كل مــوارد النفط حسب بيانات املالية للتسعة الشهور املاضية، وال أود أن أتوغل في بقية املتغيرات األخرى ذات الصلة بهذا النمط من اإلدارة، وهذا ما يحتم فـتـح مـلـف هــذه اإلدارة الحكومية والـتـعـامـل مــع أصل وجذور هذه القضية بكل تجلياتها املختلفة، فال يمكن أن ينتج كل هذا الخلل من خالل عمل مؤسساتي محوكم وعلينا البدء في العالج من أصل البالء اإلداري وليس من نهاياته الطرفية فقط، فعلى الرغم من حداثة مفهوم الحوكمة املؤسساتية في النظام اإلداري العربي، إال أنه قد حقق قفزات كبيرة في معظم الدول العربية، ونحن هنا ال نتحدث عن ترف إداري كما يتصور البعض بقدر مـا نتحدث عـن وسيلة دفــاع عـن مكتسباتنا الحالية، فالحوكمة ال تتجاوز مجموعة الـقـوانـني واإلجراءات الـــضـــوابـــط الـــتـــي تــضــمــن الــشــفــافــيــة واالنـــضـــبـــاط في الجوانب اإلداريــة واملالية فلماذا كل هذا اإلهمال لهذا الجانب، وما دور وزارة الخدمة املدنية اليوم في البلد ومكانها من اإلعـراب صراحة، طاملا أن قوانني وأنظمة الخدمة املدنية املتقادمة قائمة قبل تأسيس الوزارة ولم تغير معها ساكنا منذ تصعيدها إلى وزارة وحتى اآلن ؟ الحكومة تطبق نظام الحوكمة عى الشركات املساهمة من خالل هيئة سوق املال لكن القطاع العام أولى بهذا الــنــظــام، وطـــاملـــا اتــفــقــنــا أن الــحــوكــمــة ال تـــجـــاور فكرة مساءلة اإلدارة وضمان الرقابة وعدم استغالل السلطة، فإننا بذلك نكون أكثر الــدول حاجة ملتطلبات التحول املؤسسي ومتطلبات الحوكمة، وكلما زاد تفشت هذه األمــراض املستوطنة في جهازك اإلداري واملـالـي، كلما زادت حاجتك لتناول أدوية وعقاقير الحوكمة والتحول املؤسسي أكثر من غيرك. الـيـوم، وعلى سبيل املـثـال فقط، فــإن املـشـرع الحكومي الـــذي يـضـع نـظـامـًا لـلـشـركـات يمنع فـيـه عـضـويـة رجل األعـمـال من الجمع بني عضوية أكثر من مجلسني في الــشــركــات املــســاهــمــة أو الــتــاجــر مــن عــضــويــة أكــثــر من دورتني في الغرف التجارية، أو املتطوع من الجمع بني عضوية مجلس إدارة أكثر جمعيتني خيريتني ال يطبق الشيء على نفسه أو املوظف الحكومي، فتجده عضوا في سبعة أو ثمانية مجالس ولجان عامة على حساب عمله ومبدأ تكافؤ الفرص مع اآلخرين.