كيف تتأكد أنك على احلق واحلقيقة؟
هذا هو السؤال الوجودي والواقعي السرمدي الذي يكمن في إجابته العالج الشافي الجذري لكل األنماط السلبية الخاصة والعامة التي أشــقــت الــنــاس أفــــرادا وجــمــاعــات؛ كـيـف تـتـأكـد أنـــك حـقـا عـلـى الحق والحقيقة الحقيقية؟ وأنك ال تضلل وتـردي نفسك وغيرك وتتحمل أوزارهـــــــم؟ والـــجـــواب يـكـمـن بــفــرع ســرمــدي مــن الــعــلــم لـكـنـه واقعيا انـقـرض فـي الثقافة املـعـاصـرة وهــو علم الحكمة الجوهرية مـع أن روافده هي أكثر ثراء من أي عصر مضى، لكن املعضلة هي االفتقار ملثقف يهضم كل تلك املــوارد ويدمجها في إنتاج واحـد مما يجعل استيعابها أيـسـر، خصوصا فـي عصرنا الــذي مـا عــاد للناس فيه الصبر الكافي ملطالعة الكم الكبير من كتب وأبحاث ودراســات تلك الـروافـد فهي بحار تكاد تكون ال متناهية وتكمن تلك الـروافـد في ثـالثـة فــروع مـن العلم وهــي؛ الــتــراث اإلســالمــي متمثال فيما يسمى بـ«الرقائق» التي تعنى بتشريح النفس البشرية وتكريس الجانب الروحي الرباني األخالقي السلوكي وإيقاظ الوعي العميق بالذات والوجود، ونظائرها من تراث حكمة ديانات الشرق، الثاني: الفلسفة الـتـي تكسب اإلنــســان مــهــارات التفكير الفاعل املنهجي املوضوعي النقدي التمحيصي املنفتح، والـثـالـث: يكمن فـي علم النفس وعلم االجتماع ومنهما الفرع السياسي والحقوقي حيث يتعرف اإلنسان على بنية وماهية الواقع الكلي للبشر، وأكبر رافد للحكمة املعاصرة يمكن اسـتـقـاؤه مـن فــرع جـديـد فـي علم النفس يسمى «عـلـم النفس املتسامي أو ما وراء الشخصي- psychology فلتخيو»Transpersonal عن علم النفس التقليدي الــذي يــدرس األمــراض العقلية والنفسية في أنه يدرس تطوير وترقية الـذات بأبعادها وأعماقها الجوهرية املتسامية عن األنـا الغرائزية وغرورها ويهتم بالجوانب الروحية والــفــكــريــة والــعــاطــفــيــة واملــيــتــافــيــزيــقــيــة واألخـــالقـــيـــة وتــكــويــن فهم أعـمـق لــلــذات والــحــيــاة والــنــاس والــظــواهــر والــعــالقــات والتفاعالت واملعضالت والعالم ودراسة أنماط االمتياز، باإلضافة للتركيز على العالج املعرفي للمشاكل العقلية والنفسية والسلوكية واالجتماعية الخاصة والعامة، ولهذا كل صاحب تأثير عام أو يطمح ألن يكون لـه تأثير عــام يجب أن يكتسب سجية الحكمة عبر هــذه املطالعات الــواســعــة لـيـكـرس فــي ذاتـــه مـرجـعـيـة ذاتــيــة لـلـرشـد تكسبه منظورا وسلوكا وتأثيرا رشيدا، مع مالحظة أن مجرد حفظ النصوص حتى منها الدينية ال يمنح اإلنـسـان الـرشـد، ولـهـذا تكرر بالقرآن ذكـر أن الحقيقة الكاملة التي تكمن فيها رسالة الله للبشر كامنة في «الكتاب والحكمة» ولم يقل فقط في الكتاب أي النص املقدس املوحى به، وملا حذر املسيح من أتباع املضللني سألوه كيف يميزون حقيقتهم؟ فرد بالقول: «من ثمارهم تعرفونهم»، أي من أثرهم الواقعي على حالهم والناس والعالم.