تراب فلسطني مخضب بتضحيات السعوديني

ولم تكتف السعودية باملساعدات التي تقدمها دون من أو أذى للفلسطينيني ولقضية املسلمني األولـى، ابتداء بالريال الفلسطيني وليس انتهاء بالدماء السعودية التي سقطت في فلسطني من خالل مشاركة السعودية في حرب فلسطني؛ إذ لم يكن هذا الشعور مقتصرًا على الجهاد التطوعي من املواطنني الذين انضووا تحت لواء الجهاد املقدس أو اشتراك الجيش النظامي مع الجيش املصري، بل كان وال يـزال للقيادة السياسية جهود دبلوماسية مكثفة في املفاوضات بني العرب واليهود واجتماعات القيادات سواء على مستوى امللوك أو الرؤساء أو رؤسـاء الــوزارات ووزراء الخارجية، أو من خالل املراسالت املتبادلة بني امللك عبدالعزيز ورؤساء الواليات املـتـحـدة األمـريـكـيـة وبـريـطـانـيـا، خصوصًا روزفــلــت وتـشـرشـل، وكذا الحال في املفاوضات التي جـرت بني العرب وبريطانيا في مؤتمر لندن. ولقد كان الجهاد بالنفس واملــال على منوال متساو من التسابق للبذل؛ إذ تكونت لجان شعبية في «اتحاد البالد السعودية» لجمع التبرعات ألهـل فلسطني، وتشير أعــداد صحيفة أم القرى بحسب الباحث محمد بن ناصر األسمري عام 1948/1367 إلى بيانات أسماء املتبرعني واملبالغ املتبرع بها، ولعل ما نشر في العدد الصادر في الـ21 من مايو 1948 تحت عنوان «قوائم املجد والشهامة» أبرز مثال على الروح األخوية واملشاعر النبيلة من السعوديني إلخوتهم في فلسطني. وهــذا بطبيعة الـحـال خــالف مـا التزمت بـه السعودية مـن أمـــوال حسب قـــرارات جامعة الدول العربية، فقد أشــار الـبـدري )97 :1976( إلـى قــرار جامعة الــدول العربية في دورتـهـا املنعقدة في لبنان ما بني 7( و 9 أكتوبر )1947 بشأن تدريب شباب العرب في املناطق غير املتاخمة لليهود وتعبئتهم للمعركة القادمة، وإنشاء قيادة عربية تتولى هذا األمر، ورصدت الجامعة ما ال يقل عن مليون جنيه مصري وضعتها تحت تصرف القيادة، والتزمت السعودية بتوفير ﻓﻴﻤﺎ ﺗﻠﻮﻙ ﺃﻟﺴﻨﺔ »ﺍﻟﻈﻮﺍﻫﺮ ﺍﻟﺼﻮﺗﻴﺔ« ﻣﻦ ﻋﺮﺏ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ ﺍﻟﻘﻀﻴﺔ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﺔ ﻣﺰﺍﻳﺪﺓ ﻭﺍﻧﺘﻔﺎﻋًﺎ ﻭﺍﺭﺗﺰﺍﻗًﺎ، ﻳﺴﺘﻤﺮ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﻮﻥ ﻓﻲ ﺩﻋﻢ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻴﻴﻦ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻋﻦ »ﻭﺣﻞ ﺍﻟﺼﺮﺍﺥ«؛ ﺇﺫ ﻗﺪﻣﻮﺍ ﻗﺒﻞ ﺃﻣﻮﺍﻟﻬﻢ ﺩﻣﺎﺀ »ﺧﻴﺮﺓ ﺷﺒﺎﺑﻬﻢ« ﻓﻲ ﻣﻌﺎﺭﻙ ﺍﻟﻌﺮﺏ ﻣﻊ ﺍﻟﻤﺤﺘﻞ ﺍﻟﺼﻬﻴﻮﻧﻲ، ﻭﻫﺐ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﻮﻥ ﻣﻨﺬ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻷﻭﻝ ﻟﻨﺠﺪﺓ ﺍﻟﻤﻨﻜﻮﺑﻴﻦ، ﻭﻻ ﺗﺰﺍﻝ ﺍﻟﻘﻴﺎﺩﺓ ﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﺗﻘﺪﻡ ﺍﻟﻤﻮﺍﻗﻒ ﻧﻔﺴﻬﺎ ﻟﺮﻓﺪ ﺍﻟﺤﻖ ﺍﻟﻔﻠﺴﻄﻴﻨﻲ ﻓﻲ ﻛﻞ ﻣﺤﻔﻞ. ﻭﻳﺒﺪﻭ ﺃﻥ ﻣﻘﺎﺭﻋﺔ ﺍﻟﺼﺤﺮﺍﺀ ﺃﻛﺴﺒﺖ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﻴﻦ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻜﻴﻨﺔ، ﻓﻬﻢ ﻳﺠﻮﺩﻭﻥ ﺑﺼﻤﺖ، ﻭﻳﺘﺮﻓﻌﻮﻥ ﻋﻦ ﺍﻟﺼﻐﺎﺋﺮ ﻛﻤﺎ ﻳﻔﻌﻞ ﺍﻟﻤﺤﺎﺭﺑﻮﻥ ﺍﻟﻘﺪﺍﻣﻰ، ﻭﻳﺮﻯ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﻮﻥ ﻣﺎ ﻳﻘﺪﻣﻮﻧﻪ ﻭﺍﺟﺒﺎ »ﻣﻨﺰﻫﺎ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﻨﺔ«، ﻫﻜﺬﺍ ﻳﺤﺪﺛﻨﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻋﻦ ﺍﻟﻤﺰﺍﻳﺪﺍﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺃﺷﻐﻠﺖ ﻋﺮﺏ ﺍﻟﺸﻤﺎﻝ، ﺑﻴﻦ ﺟﺎﺣﺪ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻧﻪ ﻣﻨﺘﻘﺺ ﻣﻦ ﺣﻖ ﻇﺎﻫﺮ، ﻭﻧﺎﻗﻢ ﻣﺘﻌﺎﻝ ﻳﻌﻠﻢ ﺃﻥ ﺍﻟﺤﻘﻴﻘﺔ ﺗﺘﺠﺎﻭﺯﻩ ﻭﻟﻦ ﺗﻌﺪﻡ ﻣﻦ ُﻳﺴّﺨﺮ ﻟﻘﻮﻟﻬﺎ ﻭﻛﺘﺎﺑﺘﻬﺎ ﻭﻟﻮ ﺑﻌﺪ ﺣﻴﻦ!. %20 من كامل املبلغ، وذلك لتجهيز جيش من املتطوعني داخــل فلسطني يسمى جيش «الـجـهـاد املــقــدس»، وآخر من شبه النظاميني يعبأ ويـدرب خـارج فلسطني يسمى جـيـش «اإلنـــقـــاذ»، عـــالوة عـلـى بـعـض الـحـامـيـات املحلية الفلسطينية. يؤكد الباحث محمد بن ناصر األسمري في كتابه «الجيش الـسـعـودي فـي حــرب فلسطني »)1948( على استقبال امللك عـبـدالـعـزيـز وفــديــن مــن ســوريــة ولــبــنــان بـحـسـب مــا أوردته صحيفة «أم القرى» الصادرة بتاريخ 6( رجب ـه1367 املوافق 14 مايو )م1948 في صفحتها األولــى، عرضا عليه خالصة املـوقـف فـي فلسطني، وقــد أبــدى تأييده الـتـام لجميع مـا اتخذ من قرارات للدفاع عن فلسطني واالحتفاظ بعروبتها والحيلولة دون تقسيم فلسطني وقيام الدولة اليهودية، كما أشارت الصحيفة نفسها في العدد الصادر بتاريخ 13( رجب املوافق 21 مايو )1948 إلى زحف جيوش الـدول العربية على فلسطني واستعراض سرايا الجيش السعودي وتتابع سفره إلى ميادين القتال، وقد جاء على الصفحة ذاتـهـا البيان رقــم )1،2( عـن اشــتــراك الجيش الـسـعـودي في ميدان القتال، وبيان من وزارة الدفاع يشير إلى صدور أمر امللك لوزير الدفاع بإرسال فرقة سعودية للجهاد في فلسطني في ظرف 24 ساعة. توجهت الدفعة األولى بالطائرات املسلحة مؤلفة من جند سرايا الرشاشات واألسلحة الخفيفة واملشاة على التتابع وبقية السرايا أرسلت بالبواخر، وقد عني لقيادة فرقة الجهاد السعودية األولـى «سعيد بيك الكردي»، ووكيله وكيل القائد «عبدالله بن نامي»، وألفت لها هيئة أركان حرب من بعض الضباط؛ إذ قدر الجيش السعودي املشارك في حرب فلسطني عام 1948 3200ـب جندي؛ إذ كان هذا العدد يشكل ربع عدد الجيش املصري حينها. ولـم تكن هـذه شهادة السعوديني فقط، بل إن الـلـواء املصري حسن الـبـدري ذكـر أن السعودية أرسلت عدة سرايا مشاة وبعض املدرعات وسرية رشاشات للقتال في فلسطني ألحقتها بالجيش املصري هناك تحت قيادة العقيد سعيد الكردي. تلك املـشـاركـات عرفت بقوة إنـقـاذ فلسطني، إذ وصلت دفعتها األولــى إلــى غــزة يــوم 27 مايو ،1948 وتضم 27 ضابطا 339و من رتب أخرى، فيما وصلت الدفعة الثانية إلى غزة يوم 30 مايو ،1948 تضم 19 ضابطا و53 من رتب أخرى. أما الدفعة الثالثة فقد وصلت إلى غزة يوم 15 يونيو عام ،1948 وتضم 10 ضباط 329و من رتب أخرى، كما انضم إلى قوة إنقاذ فلسطني نحو 200 من رتب أخرى من السعوديني الذين كانوا يقيمون أصال في فلسطني عندما اشتعلت الحرب، وكان بحوزة هذه القوة 26« هاونا 3( بوصات)، 34 مدفع براوننج، 72 رشاش برف، 10 رشاشات عيار 10 05، رشاشات هونشكس، 750 بندقية 303( بوصات)، 10 عربات مدرعة همير»، فيما كانت ذخيرة هذه القوة نحو 21600 قذيفة هاون، 165000و طلقة. ويلفت األسمري إلى أن املعركة األولى للجيش السعودي في بيت حانون على بعد 9 كيلومترات عن غزة شماال، وتواجه املعسكر السعودي مستعمرة «بيرون إسحاق» التي تؤمن ثالث قرى أخــرى بـاملـاء، وكــان السجال بـني الـقـوات املصرية واليهود على هــذا املـوقـع ومعها السعودية بقيادة القائم مقام سعيد الـكـردي، من تقاطع طريق غـزة / بئرالسبع، وتقدمت ثـالث فصائل من الجناح األيمن ودخلت حتى مسافة 50 يــاردة من األســالك الشائكة املحيطة باملستعمرة لتلتقي القوات املصرية األمامية وجناحها األيسر ودمــرت البئر وانسحب اليهود من مواقع أخرى ملواجهة القوات السعودية وحصل خلل في امليمنة أدى إلى تراجع وانسحاب حسب أمر القيادة. تـعـددت املـواقـع واملـعـارك التي شـاركـت فيها الـقـوات السعودية على أرض فلسطني؛ إذ أوردت صحيفة أم الـقـرى بحسب الباحث محمد األسـمـري فـي 24 رمـضـان 1367 املـوافـق 30 يوليو 1948 الدور املهم الذي كان للجيش السعودي في معارك كوكبات واملدرسة والحليقات ودير سنيد وعراق سويدان، التي وصفها املراسل الحربي «شكيب األمـوي» أنها من أعمال البطولة الخالدة للجيوش السعودية املجاهدة إلعالء كلمة الله في ميادين القتال في فلسطني.

جنود سعوديون في فلسطين طالئع الجيش السعودي متوجهة إلى فلسطين.

كتاب األسمري وروايات ضمشهادات مهمةلضباط تاريخية وجنود سعوديين.