Okaz

لن نتخلى عن القدس عاصمة لفلسطني

- * كاتب اقتصادي سعودي

لـم يجرؤ قلمي االقـتـصـا­دي الـيـوم الكتابة في أي مــوضــوع مــن املــواضــ­يــع االقــتــص­ــاديــة، ولن أسمح لقلمي اليوم ألن يكتب في غير موضوع الــكــارث­ــة الــتــي حـلـت عـلـى مـشـاعـرنـ­ا وطـمـوحـات­ـنـا وأهدافنا كمسلمن بعد إعالن الرئيس األمريكي دونالد ترمب اعتراف الواليات املتحدة بالقدس عاصمة إلسرائيل. إن قضية فلسطن ليست قضية الفلسطينين وحدهم، وهي ليست كذلك قضية السياسين وحـدهـم، وهـي ليست قضية الــقــيــ­ادات الـعـربـيـ­ة واإلســالم­ــيــة وحـــدهـــ­ا، وإنــمــا هــي قضية جميع شعوب العالم التي تطالب بحقوق اإلنسان، وعلى وجه الخصوص حـق اإلنـسـان فـي الـوطـن، وهــي قضية املنظمات الدولية التي تدعي تطبيق قانون حقوق اإلنسان، أنا لست سـيـاسـيـا أو كـاتـبـا دبـلـومـاس­ـيـا أو نـاشـطـا سـيـاسـيـا، وإنما مواطن عربي مسلم تسير في دمه عقيدته ومبادئه وحقوق املسلمن، وأتساءل بأي موضوع سيفرغ الكتاب أقالمهم بعد إعالن رئيس أقوى دولة في العالم تأييده بأن القدس عاصمة إلسـرائـيـ­ل ونـقـل ســفــارة بـلـده لـهـا، ليصبح املسجد األقصى بيد وسلطة املحتل إسرائيل لتسمح أو ال تسمح للمسلمن بدخول املسجد األقصى. لقد هتفنا كثيرا وصبرنا أكثر عندما كنا أطفاال في املدارس، ندافع بصوتنا لتحرير فلسطن، وكان حلمنا كبيرًا وأملنا أكبر في عدالة الدول العظمى، فبدأت صدمتنا في عام 1917 عـنـدمـا صــدر وعــد بـلــفـور، فــي الــوقــت الـــذي كــان فـيـه العرب مــهــزومـ­ـن فــقــراء وضــعــفــ­اء لــيــس أمــامــهـ­ـم ســـوى االستسالم للقوى العظمى بعد الـحـرب العاملية الثانية، ثـم يـأتـي عام ،2017 أي بعد مائة عام، قرار الرئيس األمريكي ترامب مكمال لقرار بلفور - وال فرق بينهما - فأحبطت الشعوب اإلسالمية وفـقـدوا األمــل فـي وعــود منظمات حقوق اإلنــســا­ن، أي عصر نعيشه اليوم إن كان عام 1917 هو عام النكسة على املسلمن والعرب بدخول املستعمر لدول عربية مستقلة ودخول املحتل ألرض املسلمن، التي كانت الحرمن الشريفن؟ لقد دافعت وبكل الجهود أنا وزمالئي على مدار ربع قرن في منظمة العمل الدولية، عندما كنت عضوا في مجلس إدارتها ورئــيــسـ­ـا ألصــحــاب األعـــمــ­ـال الــعــرب مـطـالـبـا بــالــحــ­د األدنى لــضــمــا­ن حــقــوق أصــحــاب األعـــمــ­ـال فــي فـلـسـطـن واألراضـــ­ــي العربية املحتلة التي دمر اقتصادها املحتل، فأغلقت املصانع وجـمـدت العديد من املؤسسات والشركات أعمالها وأصبح رجال االعمال رهينة ألهواء املحتل، رغم أن تقارير بعثة األمم املـتـحـدة ممثلة فـي بعثة منظمة العمل الـدولـيـة تـؤكـد على الوضع املتدهور ألصحاب األعـمـال والعمال الفلسطينين، وأن أي توقف للمؤسسات االقتصادية التابعة لرجال األعمال الفلسطينين ينعكس سلبا على نسب البطالة. إن قـــرار الـرئـيـس األمـريـكـ­ي ال يعني بأنها الـجـولـة األخيرة وإنــه االستسالم إلسرائيل، بل هي زيــادة في إشعال حماس الفلسطينين والسياسين الـعـرب واملسلمن فـي كـل مكان، وإعــــــا­دة قــضــيــة الـــقـــد­س وفــلــســ­طــن إلــــى املـــراتـ­ــب األولـــــ­ى من القضايا العاملية، وأخشى لو أننا استسلمنا لهذا القرار ولم ندافع عن حقوقنا وبالحد األدنى من خالل املنظمات الدولية ومجلس األمن ليسمع العالم صوتنا واحتجاجنا، فستكون مقولة رئيسة وزراء إسرائيل السابقة جولدا مائير قد صدقت، حـيـث تــقــول: «عـنـدمـا أحـرقـنـا املـسـجـد األقــصــى لــم أنــم طوال الليل كنت خائفة مـن أن يدخل الـعـرب إسـرائـيـل أفـواجـا من كل مكان، ولكن عندما أشرقت شمس اليوم التالي علمت أن باستطاعتنا أن نفعل أي شيء نريده، فنحن أمام أمة نائمة». ولــلــتــ­اريــخ أصــــدر الــكــونـ­ـغــرس األمــريــ­كــي قــــرارا أحـــاديــ­ـا عام ،1995 ينص على اعتماد الـقـدس عاصمة إلسـرائـيـ­ل، إال أن رؤســاء الــواليــ­ات املتحدة األمريكية منذ ذلــك الـتـاريـخ حتى نهاية عهد الرئيس أوباما لم يطبقوا قرار الكونغرس، تفاديا لغضب املسلمن والعرب وشعوب العالم أجمع. القبلة األولــى للمسلمن وثالث وبناء على جميع الـقـرارات األممية الـصـادرة من عـام 1947 وحتى عام ،2017 فإنها جميعا تنص حرفيا على أن القدس مدينة ذات مركز قانوني خاص وال تخضع لسيادة إسرائيل بل إنها مدينة محتلة، وعليه فـإن من يخالف تلك القرارات بقرار يعتبر باطال وغير شرعي، وحيث إن إسرائيل احتلت القدس الغربية عام ،1948 واحتلت القدس الشرقية في يونيو عام ،1967 وأعلنت فيما بعد ضمها للقدس الغربية معتبرة بـأنـهـا عـاصـمـة مــوحــدة وأبــديــة إلســرائــ­يــل، وهــو مــا يرفضه املجتمع اإلسالمي والـدولـي، فالقدس مدينة محتلة احتالال عـسـكـريـا حــســب قـــــرارا­ت األمــــم املــتــحـ­ـدة والـــــرأ­ي االستشاري ملحكمة العدل الدولية بخصوص الجدار العازل اإلسرائيلي، إن قرار رئيس أي دولة في العالم هو قرار صحيح في داخل سيادة دولته، وال يمكن فرضه على بقية دول العالم، وينبغي أن ال يتخطى حــدود الـدولـة األمريكية. وكما أوضــح أستاذ القانون الدولي الدكتور أيمن سالمة أن قرار الرئيس األمريكي صحيح يعبر عن إرادة قــرار الـدولـة األمريكية ويستند إلى قـــرار الـكـونـغـ­رس األمــريــ­كــي، لكنه أحــــادي الـجـانـب ومنعدم األثــر القانوني، وانــعــدا­م الـقـرار دولـيـا يعني أنــه ال يتخطى حدود الدولة األمريكية، فينعدم أي أثر قانوني للقرار حتى للواليات املتحدة ذاتها خارجيا، حيث إن الدستور األمريكي هو أول دستور في دساتير الدول األعضاء في منظمة األمم املتحدة يعلي من مبادئ وقواعد القانون الدولي على حساب التشريعات األمريكية. إن التعامل مـع ملف الـقـدس يحتاج إلـى األخــذ فـي االعتبار الـوضـعـيـ­ة الـقـانـون­ـيـة والــديــن­ــيـة والـتـاريـ­خـيـة لــهــذه املدينة، مــتـمــنـ­ـيــا عــلــى صـــنـــاع الــــقـــ­ـرار فـــي الــعــالـ­ـم ضــــــرور­ة االلتزام باملرجعيات الدولية والقرارات األممية للوصول إلى تسوية عادلة وشاملة للقضية الفلسطينية.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia