املؤمتر الشعبي ومستقبل العمل احلزبي

جاء مقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح ليضع املؤتمر الشعبي العام الذي ظل متربعا على قمة هرمه التنظيمي منذ إنشائه في 24 أغسطس ،1982 أمام تجربة ستكون فارقة في العمل الحزبي، إذ لم يكن حزبا باملعنى الصريح ولم يكن أغلب أعضائه يرتبطون به إال رغبة في التقرب مـن صالح بــالــذات، وكــان كـل مـسـؤول فـي املـواقـع العليا للدولة عضوا فيه بحكم الوظيفة، وضــم فـي بـدايـة تكوينه ممثلن عـن فصائل العمل الحزبي التي كانت ممنوعة عن النشاط العلني رغم اعتراف الجميع بوجود نشاط لها قيادات معروفة باالسم وإن كانت تحركاتها محدودة ومقيدة باملالحقات األمنية، وسجل الرئيس األسبق القاضي عبدالرحمن اإلرياني في مقدمة أول دستور دائم في الجمهورية العربية اليمنية عام 1970 أن (الحزبية تبدأ بالتأثر وتنتهي بالعمالة)، لكن إعالن الوحدة اليمنية في 1990 أعطى كل األحزاب الفرصة التاريخية لإلعالن عن نشاطها وصارت تعمل بشكل مريح دون قيود حتى ما بعد نهاية حرب صيف .1994 كـــان املــؤتــمــر الـشـعـبـي الــعــام تـنـظـيـمـا يـنـشـط مــنــاصــروه وأعـــضـــاؤه فــي املواسم االنـتـخـابـيـة أو تلبية دعـــوات الـرئـيـس الــراحــل لـحـضـور املـهـرجـانـات الـتـي كانت مـنـاسـبـة الســتــعــراض الــقــوة والــحــضــور الـشـعـبـي، وكــانــت لــديــه قـــدرة استثنائية لحشد الجماهير واتقن استخدامها لتعزيز موقعه الشخصي بن الناس، وكان آخر ظهور له بن الجماهير في 24 أغسطس 2017 داللـة فارقة وتأثيرا مباشرا على كل األحداث التي تلته، إذ رأى الحوثيون فيها نذير خطر توقعوا أن يستغله صالح لتغيير موازين القوة في العاصمة فحاولوا ثنيه عنه وعرقلته لكنهم لم ينجحوا ربما تفاديا ملواجهة مبكرة بينهم وبينه، وربما أيضا كي ال يمنحوه فرصة العودة إلى الواجهة عبر الحشود. في الحالتن كان ذلك اليوم في تقديري بداية االفتراق الـذي كان اتفاقا فرضته ظـروف الحرب وليس القناعات الراسخة فالشكوك بينهما كانت أكثر عمقا من أن تخفيها املجامالت واتفاقات الشراكة التي لم تكن تمثل عند الحوثين أكثر من محطة لتعزيز مواقعهم في الدولة، وكانوا يـدركـون أن صالح ال يملك أكثر من الـقـدرة على التأثير في الجمهور وهـو ما ال يعنيهم وال يمثل لهم أرقا ألنهم مكتفون بقاعدتهم الصلبة املبنية على االنتماء الساللي واملذهبي املتعصب. تسعى حـالـيـا الـعـديـد مــن الشخصيات الـتـي كـانـت مرتبطة بـاملـصـالـح الـتـي كان صالح يمنحها لها حسب تقديره، لتوزيع إرثه التنظيمي والغريب أن أغلب هؤالء وقفوا ضده مند مـارس 2015 وانقطعوا عن التواصل معه، لكن بعضهم يجدها سانحة للعودة إلى املشهد تحت مظلة (لم الشمل)، فتذكر بعضهم فجأة مواقعهم التنظيمية التي وهبهم إياها صالح في فترة ما بعد 2012 رغم أنها غير قانونية وال تنطبق عليها اللوائح الداخلية، وفي املحصلة فإن املؤتمر الشعبي العام يمر بمرحلة هي األكثر حرجا ألن أعضاءه في الداخل معرضون ملخاطر أمنية وحمالت ترويع وترهيب، وهناك من هم مرتبطون بالشرعية املسترخية خارج البالد، وجزء ثالث ظل قريبا ومواليا لصالح لكنه يعيش في الخارج أيضا، وبن هذا الشتات التنظيمي يحاول البعض القفز إلى مقدمة الصفوف إما بحثا عن تأمن ذاتي أو رغبة في الطفو على السطح. ستواجه األحزاب التي ال تتخذ الدين مرجعية لنشاطاتها، صعوبات ومخاطر كثيرة ونظرا لضعف البنى الهيكلية لها فإنها ستتعرض لالنقراض ولن تصبح أكثر من يافطات أو منتديات لتبادل الذكريات، وستكون الحظوظ األكبر في الساحة ألحزاب اإلسالم السياسي بنقائضه فهي األقدر على الحركة واألكثر تنظيما وتسليحا ما يمكنها من املواجهة والدفاع عن النفس، وسينحصر التنافس بينها مع محاوالت من قيادات املؤتمر في الداخل استعادة شيء من الحيوية التي تمكنها من التواجد في حدوده الدنيا وبحسب ما سيسمح به الحوثيون في مناطق نفوذهم أما جنوب العاصمة صنعاء وشرقها فلن يكون (املؤتمر) أفضل حاال من األحزاب التي توارت خـلـف ســتــار كثيف وغـمـرتـهـا كـثـبـان مــن تــاريــخ لــم يـعـد يسترجع فـصـولـه إال من عايشوه. انطوت صفحة صالح وعلى من يريد مواصلة مسيرته إدراك أن العمل السياسي ال تديره وسائل التواصل االجتماعي بل التواجد بن الناس كما كـان يفعل، أما التفاهمات انطالقا من اليأس فال طائل من ورائها إال املزيد من الخيبات.