Okaz

االعتدال واالنفتاح.. أقوى أسلحة الدولة الوطنية

- يحيى األمير yameer33@ hotmail.com

ال يدرك كثيرون أن حماية التشدد والدفاع عنه وتوسيع رقعته كانت أبرز وأهم أهــداف خصوم السعودية، ذلــك أن التشدد واالنـغـال­ق يمثل أبــرز مهدد للدولة الوطنية واألقــدر على إرباكها والباعث األول على االحـتـراب الداخلي وتفكيك السلم االجتماعي. وبقصد وبغير قصد أحيانا ظلت كثير من األصوات الدينية الوعظية تشتغل طوال السنوات املاضية على الدفع باملجتمع نحو كل أشكال التشدد واالنغالق ومحاربة التنوع واالختالف، تم ذلك تحت عناوين واسعة مثل اإلنكار والحفاظ على العقيدة ومواجهة التغريب والفساد واالنحالل. ظل املجتمع طويال يصغي لتلك األصوات وبخاصة أنها تمتلك أداة تأثير كبرى لها سلطتها على الوجدان الشعبي العام وهي سلطة الدين لغة ومنطلقا واستدالال. وفي الواقع فإن طيفا واسعا من األداء الشرعي العام وخاصة غير املؤسسي يقع معظمه في دائرة تقليدية جدا ال يمتلك معها إال ترديد مقوالت وأحكام فقهية قديمة وخطاب وعظي قائم على التخويف والتحذير من كل شيء، وألن الشارع في معظمه ال يحمل أدوات معرفية تمكنه من مراجعة تلك الخطابات املتشددة والــرد عليها، وألنــه أيضا طبيعي ويبحث عن الحياة الطبيعية فقد وجد نفسه يصغي لتلك اآلراء ذهنيا ونفسيا ويخالفها سلوكيا. عملت كل حركات وقوى اإلسالم السياسي والحركي على الدفع بأن يكون التشدد مطلبا شعبيا وهو ما سيؤدي إلى مواجهة مع املؤسسة والدولة التي تتمثل وظيفتها األسمى في التطوير والتحديث والحفاظ على التنوع واالخــتــ­الف، إضـافـة إلــى أن اتـسـاع رقعة التشدد سيجعل العالم كله في لحظة مواجهة وقلق من ذلك الكيان املتشدد. كان للطبقة الفكرية السعودية من أمراء ووزراء ومثقفن وكتاب وإعالمين دور محوري جدًا فـي إبــراز خطابات مناوئة للتشدد واالنــغــ­الق وداعـيـة للمدنية واالعــتــ­دال وساهمت بعض الشخصيات الفقهية التنويرية في ذلك، والتقت قيم الدولة الوطنية الحديثة بتلك الخطابات التي كانت قادمة من واقع املجتمع الباحث عن الحياة الطبيعية املتوازنة ودخل عامل جديد يتمثل فـي الــثــورة االتصالية الـتـي نـوعـت مـصـادر التلقي واآلراء واملـعـرفـ­ة وكـسـرت املصدر الواحد وسلطة املنبر الواحد. استماتت كل القوى املعادية للمملكة لربطها باإلرهاب واتهامها به، كانت أدلتها تنطلق من بعض الظواهر املغيبة في الداخل السعودي كقيادة املرأة السيارة ودور السينما وموقع املرأة في العمل والحياة العامة، وكانت أصــوات التشدد تستميت في مهاجمة كل نموذج وطني يخالف تلك الصورة التي يراد تعميمها والحفاظ عليها. بينما يتدفق مقاتلون من مختلف الجنسيات لاللتحاق بالجماعات الجهادية اإلرهابية يصبح وصول أي سعودي شاذ إلى هناك حدثا محوريا بالنسبة لتلك الجماعات واالستخبار­ات التي تقف خلفها، وبينما يـتـوزع املقاتلون فـي مـواقـع القتال يظل السعودي فـي غـرف التصوير وأمام الكاميرات، ألنه يمثل بالنسبة لهم مادة مهمة يتم بثها للعالم وتقديمها كدليل على تلك اإلدانة والوصم بالتشدد واإلرهاب (كانت تتم بعض الفبركات اإلعالمية اإلنتاجية إلظهار شخصيات جهادية على أنها سعودية بينما هي ليست كذلك). اليوم أسوأ ما يتعرض له خصوم اململكة ليست تلك الضربات املوجهة للميليشيات اإلرهابية فـي اليمن وال مقاطعة النظام فـي قطر، األســوأ مـن كـل ذلــك بالنسبة لهم هـي تلك الخطوات التنموية املعتدلة التي تحدث كل يوم في السعودية والتي ترسخ االنفتاح واالعتدال واملدنية بـل وتـدافـع عنها. هـذه اإلجـــراء­ات تجعل األعــداء يخسرون أهـم أسلحة املواجهة وهـي اتهام اململكة أمام العالم باالنغالق والتشدد، وتوسيع رقعة التشدد التي كلما اتسعت أنذرت بشقاق داخلي في املجتمع. بينما يشاهد أولئك الخصوم حالة االحتفاء العام من قبل بكل تلك الخطوات العظيمة التي تخطوها بالدهم، وبينما يفقد الحركيون والحزبيون منابرهم التي ظلت تستخدم لتأليب املجتمع على كل خطوات التحديث ووصفها بأبشع األوصاف يتسع املستقبل أمام السعودية املنفتحة املعتدلة التي تشهد توازيا مثاليا بن املؤسسة والشارع في الطموح والرؤية وإعادة تعريف الذات.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia