زيارة األقصى.. ليست خيانة وال تطبيعًا!

قرار الرئيس األمريكي دونالد ترمب نقل السفارة األمريكية للقدس هو تحصيل حاصل لألوضاع التي شهدتها فلسطن والقدس منذ عام 1917 ومرورًا بعام 1948 ثم بالهزيمة القاسية للعرب عام ،1967 والحقيقة أن الفلسطينين والعرب لم يهزموا عسكريًا فقط بل توالت هزائمهم سياسيًا وتنمويًا وأخالقيًا، وهذه األخيرة أشد وطأة على العقلية العربية التي تحارب وتفاوض تحت مظلة من الشعارات الجوفاء واملزايدات الرخيصة حتى أصبح أهل الرأي والعقل موصومن بالخيانة أحياء وأمواتًا دون أن يقدم أهل الشعارات سوى خسارة مزيد من األراضي الفلسطينية واملواقف السياسية. الفلسطينيون والـعـرب هـم أعــداء أنفسهم فقد أثبتت األحــداث منذ عام 1948 أنهم يعيشون زمانًا غير زمانهم، وأنهم أمة الفرص الضائعة التي عاشت على العنتريات والشعارات الجوفاء فيما كان واقعها يجسد حالة التشظي واالنـقـسـام املــريــر، بــدءًا مـن دائـــرة الفلسطينين أنفسهم داخل فلسطن وخارجها وانتهاء بمحيطهم العربي واإلسـالمـي الكبير.. فهم لــم ينجحوا فــي حــرب أو سياسة أو بـنـاء أو تنمية ولــذلــك فهم يجنون باستحقاق حصاد عقود من األخطاء املتراكمة! وأحد أهم وأكبر هذه األخطاء هو صدور عدة قرارات من الجامعة العربية ومنظمة التعاون اإلسالمي مؤيدة ومدعومة من ممثلي فلسطن تمنع زيــارة القدس واملسجد األقصى على عموم العرب واملسلمن، بحجة أن هذا يعد تطبيعًا مع الكيان املحتل واعترافًا به! ولو كنت مناهضًا للعرب لدعوت الله أن يستمر هذا القرار وأال تفيق الجامعة العربية من غفوتها وتخبطها املستحكم في التعاطي مع القضية املركزية لديها ألنه يسمح إلسرائيل بتهويد مدينة القدس واألقصى دون إزعاج ودون رمزية روحية تبن لها وللعالم أجمع مدى ارتباط املسلمن باملسجد األقصى! ال مــســوغ ديــنــيــا أو عـقـلـيـا أو حــتــى ســيــاسـيـا يــوجــب أن يـمـنـع العرب واملــســلــمــون أنـفـسـهـم مــن شــد الــرحــال إلـــى األقــصــى تــأكــيــدًا عـلـى هويته العربية واإلسـالمـيـة، فعزل األقـصـى والـقـدس واملقدسين عـن محيطهم العربي واإلسالمي أكبر خدمة تقدم إلى إسرائيل حاليًا! إن السماح بتنظيم زيــارة املسجد األقـصـى، هـو أكبر رد ليس على نقل السفارة األمريكية فقط بل لو نقلت كل سفارات األرض إلى القدس فليس لذلك معنى وهي تزدحم بمالين املسلمن، وال يمكن أن يتصور منطق عـقـلـي أو سـيـاسـي أن احــتــالل مـديـنـة وفــقــًا لــظــروف عـسـكـريـة وسياسية يتوجب على أهل املدائن األخـرى أال يــزوروا إخوتهم في املدينة املحتلة بحجة أن هذا تطبيع واعتراف بالوضع القائم، فكلفة الغياب عن زيارة األقصى وترسيخ وضع االحتالل والتهويد القائم أعظم من تعاود األقصى والقدس من قبل مالين املسلمن حتى لوكان ذلك بتأشيرة إسرائيلية! بـل إن حتى فــرض حـل الـدولـتـن الــذي ارتــضــاه الفلسطينيون والعرب وتقسيم القدس إلى عاصمتن شرقية للفلسطينين وغربية إلسرائيل ال يمكن أن يكون في املفاوضات واقعًا على األرض خصوصًا بالنظر إلى خطط إسرائيل في تحويل القدس إلى الغالبية اليهودية املطلقة مستغلن قـــرارًا عربيًا وإسـالمـيـًا مـضـادًا حــرم األقـصـى والــقــدس أن يـكـون بجواره ثالثة مالين زائر عربي ومسلم يثبتون للعالم أن األقصى سيبقى ويظل عربيًا مسلمًا ويغير من سياسة األمر الواقع هناك. سأظل وغيري من العقالء الذين أخفي صوتهم بشعارات غبية ال تؤكل عيشًا نرى أن زيارة القدس واملسجد األقصى ليست خيانة وال تطبيعًا بل هي واجبة على كل عربي مسلم وعملية إنقاذ شجاعة ال تعطي أي اعتبار لشعارات املزايدين واألغبياء لتضييع 100 سنة أخـرى من عمر القدس وهم يصرخون من مقاهيهم لن ندخلها إال فاتحن!