مرحبا بالقوة الناعمة
خــطــوة مـهـمـة أخـــرى نـحـو الـتـغـيـيـر، انـطـلـقـت بــقــرار الـهـيـئـة الــعــامــة لإلعالم املرئي واملسموع إصدار تراخيص بفتح دور سينما طبقا للوائح التنظيمية واإلجــــراءات التنفيذية املنتظرة، وفــق معايير السياسة اإلعـالمـيـة للمملكة والـقـيـم والــثــوابــت بما يضمن تقديم وتحقيق محتوى هـــادف، وال يـتـعـارض مــع األحكام الشرعية وال يخل باالعتبارات األخالقية في اململكة. مـعـروف أن اإلعـــالم عـامـة والـثـقـافـة والـفـنـون خـاصـة املـسـرح والسينما هـي وسـائـل اتصال جماهيرية تمثل أبــرز عناصر ومقومات الـقـوة الناعمة املـؤثـرة بحكم تعبيرها عـن هوية املجتمع وقضاياه وتطلعاته، وكثير من الـدول اعتمدت على هذه القوة الناعمة في تقديم نفسها وقــوة تأثيرها، والسينما األمريكية املـثـال األبــرز فـي نشر الثقافة الغربية بقيمها املادية واملعنوية، اتفقنا معها أو اختلفنا، وغزوها للعالم بمفاهيم الحرية الفكرية والثقافية والعالقات االجتماعية بما لها وما عليها، وصورة نمطية للقوة األمريكية الشاملة، ووجدنا قنوات فضائية عربية خصصت ساعات البث على مدار 24 ساعة إلنتاج هوليود وبوليود وغيرهما للسينما العربية، فكيف بتأثير ذلـك في عصر انفتاح بال حــدود، وال قــدرة على مواجهته والتفاعل معه إال بقوة ناعمة محلية تعبر عن مجتمعنا بقيمه وموروثه وتطلعاته وقدراته اإلبداعية في كل مجال، ومنفتحة برشد على العالم. السينما أو كما يطلقون عليها (الفن السابع) عالم جذاب للترفيه ومؤثر في تشكيل الوعي املجتمعي والتفاعل، وألنه كان ممنوعا لدينا طوال عقود من الزمن، فقد ظل مرغوبا لدى الــســواد األعــظــم مــن الـسـعـوديـن فــي رحـالتـهـم لـلـخـارج حـيـث السينما أحــد أهــم برامجهم الترفيهية. والسينما صناعة مهمة وضخمة في استثماراتها وعناصرها، من دور العرض والكوادر والــطــواقــم البشرية مــن كــتــاب سيناريو ومنتجن وممثلن ومـصـوريـن ومـخـرجـن، وهذا متوافر بدرجات متفاوتة في بالدنا من حيث اإلمكانات، وإلى حد ما في اإلخراج والتصوير وتخصصات مساندة، ومع مرور الوقت ستسهم الخبرة في توطن هذه الصناعة الحيوية التي ستبدأ بأحدث تقنيات الراحة واإلبهار. مجتمعنا يخرج من الصندوق بقرارات جريئة وهادفة، ودائما كان بحاجة إلى عناصر القوة الناعمة تعكس السمات املحلية أوال، وتكون جسر تواصل وتفاعل بن الثقافات ينطلق من بالدنا، وليس التلقي في اتجاه واحد كما كان طوال عقود منذ أن غابت السينما في بداياتها زمان، وتركنا فراغا ألشرطة كاسيت وأصوات حاولت تغييب الوعي وثقافة االعتدال وقيم الــحــوار، والـيـوم تنطلق شعلة صناعة متكاملة للسينما، ومــن شــأن ذلــك قيام استثمارات ضخمة باملليارات، وستتسع أكاديميا لدراسة فنونها وتخصصاتها، ولدينا كوادر إبداعية ومواهب تكمل مسيرة الرواد من املمثلن واملخرجن وجيل من الشباب املبدع اليوم سيثري بهوية سعودية رسالة هذا الفن في التوعية والتثقيف وتشجيع الكتابة للسينما. صحيح أن الفن السينمائي ترفيهي، لكن املنتظر منه أيضا مضمون جاد هـادف ومنفتح برشد ومسؤولية في معالجة قضايا الحياة واملجتمع والقيم اإلنسانية بقواسمها املشتركة من املنظور الوطني واملحلي أوال، وكلما نجح الفن محليا بصدق كلما ضمن قبوله وتأثيره حتى فـي الــخــارج، وقــد رأيـنـا نجاحات ألفــالم سعودية جــادة وإن كــان معظمها تسجيلية وحصلت على جوائز في مهرجانات خارجية. أخيرا هذا الفن الذي عانى من تشويه ومفاهيم خاطئة، هو منصة ملعالجات فكرية في طرح القضايا وتشكيل الوعي. وفي النهاية املنافع كثيرة في الترفيه واالقتصاد واملهم أن صوتنا وصورتنا من دماغنا ونسيج هويتنا أوال.