على خلفية منع «زائرات الخميس».. النقاد والروائيون يرفضون االرتهان للتصنيفات ويطالبون بعدم المصادمة
ال تــكــاد تــهــدأ عـاصـفـة الــصــراعــات الـفـكـريـة والـثـقـافـيـة فــي مــواقــع التواصل االجـتـمـاعـي حـتـى تشتعل مــن جــديــد بـتـغـريـدة أو قـصـيـدة أو قـصـة توصم بـالـدخـيـلـة عـلـى املـجـتـمـع، تـزكـيـهـا تــرســبــات قـديـمـة ويؤجهها مترصدون في ميدان تصفيات الحسابات. ولعل آخر هذه املعارك التي شهدتها مواقع التواصل االجتماعي، االنتقادات الالذعة التي وجهت للكاتبة بدرية البشر على مقطع من روايتها «زائرات الخميس» بسبب الخروج عن اآلداب العامة كما أشار املشاركون في وسمها بتويتر، ما دفع وزارة الثقافة واإلعالم لسحب الرواية من األسواق. وانــبــرى بـعـض الـكـتـاب واملـثـقـفـن لـلـدفـاع عن الــبــشــر، إذ كــتــب الــــروائــــي عــبــده خــــال عبر حسابه على «تـويـتـر»: «كثير مـن السفلة يتهجم على كاتب أو كاتبة من غير أن يكون له رادع من ديـن أو أدب أو خلق. ونـــحـــن الـــكـــتـــاب بــحــاجــة إلــــى محامن وطنين لرفع الضيم عن أقالمنا». وقوبل كالم خال بهجوم مضاد من جانب كثير مــن املــغــرديــن، كـمـا تضمنت قائمة الـــــردود، اتــهــامــات لــه شـخـصـيـا بالتجاوز واإلســــــفــــــاف، واســـتـــشـــهـــد أحــــدهــــم بروايته «فـــســـوق»، مــنــدهــشــا مــن قــيــام بــعــض املكتبات الكبيرة بتوزيعها، فيما كتب آخر: «نحن بحاجة أيـضـا إلــى منصفن يقفون فـي وجــه أقـالمـكـم وحماية املجتمع من اإلسفاف الذي تكتبون وتنشرون اإلباحية بحجة أدب وقصص وثقافة». هذه الزوبعة تطرح سؤاال مهما عن مصطلح «الرويات األخــالقــيــة»، وهـــل يــوجــد بـالـفـعـل روايــــات أخالقية، وأخـــرى غـيـر أخــالقــيــة، مـمـا تـتـنـافـى مــع املجتمع، وتصطدم بالعادات والتقاليد. تجسيد الواقع وفي هذا الصدد ال يتفق القاص عبدالله ثابت مـع هــذه التصنيفات قـائـال: «الـفـن ليس مهمته الوعظ، وليس رسوال يحمل الوصايا إلى أحد»، مشيرا إلـى أن الـروايـة جـزء أصيل من هـذا الفن، وظيفتها الكشف وتناول العالم وتأمل الوجود، وسـبـر الـغـور اإلنـسـانـي بكل مـا فيه مـن التناقض والقلق واالضطراب والجمال والعظمة أيضًا، وبناء كــل هـــذا وضــفــره فــي عـمـل واحـــد يـعـتـمـد عـلـى موهبة صاحبه وحرفته ومهارته. وخــلــص ثــابــت إلـــى أن: «أســئــلــة األخــــالق لــهــا مــكــان آخـــر، ليس الفن». وتعلق القاصة الـدكـتـورة شيمة الشمري على التصنيف بقولها:«فنيا اليـــوجـــد تــصــنــيــف الــقــصــص بــأخــالقــيــة أو مــايــعــكــاســهــا، فهي الترتهن فنيا وأدبيا لهذه املعايير». واســـتـــدركـــت األكـــاديـــمـــيـــة الــحــاصــلــة عــلــى درجة الدكتوراة في دراسة «درجة التعالي النصي فــــي الــقــصــة الــخــلــيــجــيــة» أن معايير التصنيف في املجتمع قائمة على أسس دينية وأخالقية، لكنها ليست مهنية لدى النقاد. ولــفــتــت الــشــمــري إلى أن تــعــامــل النقاد مــــــع القصص والــروايــات مثل التعامل تماما مـع األفـــالم السينمائية فهي تصنف حسب املعايير العمرية، مشددة على أن النقاد في الغالب يهتمون بالقواعد املهنية لـكـتـابـة الـقـصـة والـــروايـــة أكــثــر مــن الـنـظـر فــي مـضـامـيـنـهـا ومـــدى مالءمتها للمجتمع بشكل عام. وتــــرى مــن واقــــع تــجــربــة أن بــعــض كــتــاب الــقــصــة يــتــعــمــدون اإلســـفـــاف ليس بغرض املعالجة، بل يتجهون للوي أعناق قصتهم بإدخال أحاديث مثيرة وأوصـــــــــــــــــــاف حسيةمصادمة بحثا عـن الـشـهـرة واإلثــــارة، مـحـاولـة منهم لـطـرق وتــر غير مـرغـوب في أوســـاط املـجـتـمـع ليتم مـحـاربـتـهـم مجتمعيا حـتـى يـبـقـوا في دائرة الضوء. وتـــــؤكـــــد الــــشــــمــــري وجــــــــود ضـــــوابـــــط فـــــي الـــــدراســـــات األكـــاديـــمـــيـــة بــالــجــامــعــات الــســعــوديــة وفــــق الدين واملجتمع، لذلك يتم رفض وضع خطط ومعالجات ودراســــــات لـبـعـض الـــروايـــات الــتــي التـــتـــالءم مع تعاليم وطبيعة املجتمع، موضحة أن الضوابط تختلف من جامعة إلى أخرى، وال يمكن التعميم بـصـورة واضـحـة على الجميع، مـشـددة على أن وعي املجتمع دائما ينتصر في النهاية. تصنيف الروايات ويــرفــض الــقــاص فـــراس عــالــم تــوصــيــف الروايات والـقـصـص بلفظ «أخــالقــيــة أو ال أخــالقــيــة»، مفضال أن يــســتــخــدم لــفــظ روايــــــات جــريــئــة أو أكــثــر حــســيــة في التوصيف. ويــرى عـالـم أن الــجــراءة فـي التوصيف الحسي سمة مــوجــودة في األدب الــعــربــي مــنــذ قــديــم الـــزمـــان ولــيــس أمــــرا طــارئــا جديدا، مستشهدا بـكـتـاب الـــروض الـعـاطـر وتــرجــمــات «ألـــف ليلة وليلة» وغيرها. ويشدد على أن الجراء ة واملبالغة في الوصف الحسي ليست مقياسا على جودة العمل أو رداءته، بل هي صفة من صفات العمل ونوع من أنواع الكتابة، مؤكدا على أن الكتابة الجيدة لها خصائص ال يضيف لها أو ينقص منها أن تكون حسية وجريئة. ويتوقف عالم عند توجه بعض الروائين لــلــســيــر فـــي هــــذا الـــخـــط بــإقــحــام مواضيع جريئة في رواياتهم ملصادمة املجتمع بحثا عن الشهرة، بغض النظر عن التجربة التي قد تكون متواضعة وضعيفة وغير ناضجة. وعلى الطرف اآلخر يرى أن التشدد في كتابة القصة ليس مقياسا أيضا على جودتها، ويفضل أن تصنف الروايات على حسب الفئة العمرية كباقي دول العالم. ويتساءل عالم هل نحن متفقون على أن املجتمع له سلطة على اإلنتاج األدبي؟، مجيبا في الوقت نفسه أن املجتمع له سلطة معنوية أكثر منها فعلية. وال يـرى عالم أن الحمالت على روايــة أوقـصـة في مــواقــع الــتــواصــل االجــتــمــاعــي دلــيــل عــلــى رفض املــجــتــمــع لـــهـــا، بـــل إن الـــنـــص اليـــكـــون قـــد قرئ بشكل جيد، مفسرا مايحدث أحيانا ضد بعض الروائين والكتاب بأنه محاولة من املتربصن ضـــد بــعــض الــشــخــصــيــات الــجــدلــيــة املشهورة لـتـأجـيـج املـجـتـمـع حـولـهـا أكــثــر مـنـه رغــبــة في تقييم العمل. واستشهد بوجود عشرات الكتب والـروايـات ودواويــن الشعر الــــجــــريــــئــــة عــــلــــى رفــــــوف املكتبات دون أن يتعرض لـهـا أحـــد، ألن املجتمع فــي األصل اليـــقـــرأ، والـــظـــروف التضعها تحت املجهر.