Okaz

على خلفية منع «زائرات الخميس».. النقاد والروائيون يرفضون االرتهان للتصنيفات ويطالبون بعدم المصادمة

- نعيم تميم الحكيم (جدة) @naeemtamim­alhac

ال تــكــاد تــهــدأ عـاصـفـة الــصــراع­ــات الـفـكـريـ­ة والـثـقـاف­ـيـة فــي مــواقــع التواصل االجـتـمـا­عـي حـتـى تشتعل مــن جــديــد بـتـغـريـد­ة أو قـصـيـدة أو قـصـة توصم بـالـدخـيـ­لـة عـلـى املـجـتـمـ­ع، تـزكـيـهـا تــرســبــ­ات قـديـمـة ويؤجهها مترصدون في ميدان تصفيات الحسابات. ولعل آخر هذه املعارك التي شهدتها مواقع التواصل االجتماعي، االنتقادات الالذعة التي وجهت للكاتبة بدرية البشر على مقطع من روايتها «زائرات الخميس» بسبب الخروج عن اآلداب العامة كما أشار املشاركون في وسمها بتويتر، ما دفع وزارة الثقافة واإلعالم لسحب الرواية من األسواق. وانــبــرى بـعـض الـكـتـاب واملـثـقـف­ـن لـلـدفـاع عن الــبــشــ­ر، إذ كــتــب الــــروائ­ــــي عــبــده خــــال عبر حسابه على «تـويـتـر»: «كثير مـن السفلة يتهجم على كاتب أو كاتبة من غير أن يكون له رادع من ديـن أو أدب أو خلق. ونـــحـــن الـــكـــت­ـــاب بــحــاجــ­ة إلــــى محامن وطنين لرفع الضيم عن أقالمنا». وقوبل كالم خال بهجوم مضاد من جانب كثير مــن املــغــرد­يــن، كـمـا تضمنت قائمة الـــــردو­د، اتــهــامـ­ـات لــه شـخـصـيـا بالتجاوز واإلســـــ­ـفــــــاف، واســـتـــ­شـــهـــد أحــــدهــ­ــم بروايته «فـــســـوق»، مــنــدهــ­شــا مــن قــيــام بــعــض املكتبات الكبيرة بتوزيعها، فيما كتب آخر: «نحن بحاجة أيـضـا إلــى منصفن يقفون فـي وجــه أقـالمـكـم وحماية املجتمع من اإلسفاف الذي تكتبون وتنشرون اإلباحية بحجة أدب وقصص وثقافة». هذه الزوبعة تطرح سؤاال مهما عن مصطلح «الرويات األخــالقـ­ـيــة»، وهـــل يــوجــد بـالـفـعـل روايــــات أخالقية، وأخـــرى غـيـر أخــالقــي­ــة، مـمـا تـتـنـافـى مــع املجتمع، وتصطدم بالعادات والتقاليد. تجسيد الواقع وفي هذا الصدد ال يتفق القاص عبدالله ثابت مـع هــذه التصنيفات قـائـال: «الـفـن ليس مهمته الوعظ، وليس رسوال يحمل الوصايا إلى أحد»، مشيرا إلـى أن الـروايـة جـزء أصيل من هـذا الفن، وظيفتها الكشف وتناول العالم وتأمل الوجود، وسـبـر الـغـور اإلنـسـانـ­ي بكل مـا فيه مـن التناقض والقلق واالضطراب والجمال والعظمة أيضًا، وبناء كــل هـــذا وضــفــره فــي عـمـل واحـــد يـعـتـمـد عـلـى موهبة صاحبه وحرفته ومهارته. وخــلــص ثــابــت إلـــى أن: «أســئــلــ­ة األخــــال­ق لــهــا مــكــان آخـــر، ليس الفن». وتعلق القاصة الـدكـتـور­ة شيمة الشمري على التصنيف بقولها:«فنيا اليـــوجــ­ـد تــصــنــي­ــف الــقــصــ­ص بــأخــالق­ــيــة أو مــايــعــ­كــاســهــ­ا، فهي الترتهن فنيا وأدبيا لهذه املعايير». واســـتـــ­دركـــت األكـــادي­ـــمـــيــ­ـة الــحــاصـ­ـلــة عــلــى درجة الدكتوراة في دراسة «درجة التعالي النصي فــــي الــقــصــ­ة الــخــلــ­يــجــيــة» أن معايير التصنيف في املجتمع قائمة على أسس دينية وأخالقية، لكنها ليست مهنية لدى النقاد. ولــفــتــ­ت الــشــمــ­ري إلى أن تــعــامــ­ل النقاد مــــــع القصص والــروايـ­ـات مثل التعامل تماما مـع األفـــالم السينمائية فهي تصنف حسب املعايير العمرية، مشددة على أن النقاد في الغالب يهتمون بالقواعد املهنية لـكـتـابـة الـقـصـة والـــرواي­ـــة أكــثــر مــن الـنـظـر فــي مـضـامـيـن­ـهـا ومـــدى مالءمتها للمجتمع بشكل عام. وتــــرى مــن واقــــع تــجــربــ­ة أن بــعــض كــتــاب الــقــصــ­ة يــتــعــم­ــدون اإلســـفــ­ـاف ليس بغرض املعالجة، بل يتجهون للوي أعناق قصتهم بإدخال أحاديث مثيرة وأوصــــــ­ــــــــــ­ـــاف حسيةمصادمة بحثا عـن الـشـهـرة واإلثــــا­رة، مـحـاولـة منهم لـطـرق وتــر غير مـرغـوب في أوســـاط املـجـتـمـ­ع ليتم مـحـاربـتـ­هـم مجتمعيا حـتـى يـبـقـوا في دائرة الضوء. وتـــــؤكـ­ــــد الــــشـــ­ـمــــري وجــــــــ­ود ضـــــوابـ­ــــط فـــــي الـــــدرا­ســـــات األكـــادي­ـــمـــيــ­ـة بــالــجــ­امــعــات الــســعــ­وديــة وفــــق الدين واملجتمع، لذلك يتم رفض وضع خطط ومعالجات ودراســـــ­ـات لـبـعـض الـــروايـ­ــات الــتــي التـــتـــ­الءم مع تعاليم وطبيعة املجتمع، موضحة أن الضوابط تختلف من جامعة إلى أخرى، وال يمكن التعميم بـصـورة واضـحـة على الجميع، مـشـددة على أن وعي املجتمع دائما ينتصر في النهاية. تصنيف الروايات ويــرفــض الــقــاص فـــراس عــالــم تــوصــيــ­ف الروايات والـقـصـص بلفظ «أخــالقــي­ــة أو ال أخــالقــي­ــة»، مفضال أن يــســتــخ­ــدم لــفــظ روايــــــ­ات جــريــئــ­ة أو أكــثــر حــســيــة في التوصيف. ويــرى عـالـم أن الــجــراء­ة فـي التوصيف الحسي سمة مــوجــودة في األدب الــعــربـ­ـي مــنــذ قــديــم الـــزمـــ­ان ولــيــس أمــــرا طــارئــا جديدا، مستشهدا بـكـتـاب الـــروض الـعـاطـر وتــرجــمـ­ـات «ألـــف ليلة وليلة» وغيرها. ويشدد على أن الجراء ة واملبالغة في الوصف الحسي ليست مقياسا على جودة العمل أو رداءته، بل هي صفة من صفات العمل ونوع من أنواع الكتابة، مؤكدا على أن الكتابة الجيدة لها خصائص ال يضيف لها أو ينقص منها أن تكون حسية وجريئة. ويتوقف عالم عند توجه بعض الروائين لــلــســي­ــر فـــي هــــذا الـــخـــط بــإقــحــ­ام مواضيع جريئة في رواياتهم ملصادمة املجتمع بحثا عن الشهرة، بغض النظر عن التجربة التي قد تكون متواضعة وضعيفة وغير ناضجة. وعلى الطرف اآلخر يرى أن التشدد في كتابة القصة ليس مقياسا أيضا على جودتها، ويفضل أن تصنف الروايات على حسب الفئة العمرية كباقي دول العالم. ويتساءل عالم هل نحن متفقون على أن املجتمع له سلطة على اإلنتاج األدبي؟، مجيبا في الوقت نفسه أن املجتمع له سلطة معنوية أكثر منها فعلية. وال يـرى عالم أن الحمالت على روايــة أوقـصـة في مــواقــع الــتــواص­ــل االجــتــم­ــاعــي دلــيــل عــلــى رفض املــجــتـ­ـمــع لـــهـــا، بـــل إن الـــنـــص اليـــكـــ­ون قـــد قرئ بشكل جيد، مفسرا مايحدث أحيانا ضد بعض الروائين والكتاب بأنه محاولة من املتربصن ضـــد بــعــض الــشــخــ­صــيــات الــجــدلـ­ـيــة املشهورة لـتـأجـيـج املـجـتـمـ­ع حـولـهـا أكــثــر مـنـه رغــبــة في تقييم العمل. واستشهد بوجود عشرات الكتب والـروايـا­ت ودواويــن الشعر الــــجـــ­ـريــــئــ­ــة عــــلــــ­ى رفــــــوف املكتبات دون أن يتعرض لـهـا أحـــد، ألن املجتمع فــي األصل اليـــقـــ­رأ، والـــظـــ­روف التضعها تحت املجهر.

 ??  ?? غالف رواية زائرات الخميس.
غالف رواية زائرات الخميس.
 ??  ?? عبده خال
عبده خال
 ??  ?? شيمة الشمري
شيمة الشمري
 ??  ?? عبداهلل ثابت
عبداهلل ثابت
 ??  ?? فراس عالم
فراس عالم
 ??  ?? بدرية البشر
بدرية البشر

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia