جامعات بني العلم واخلرافة

من طبيعة األفراد الفناء، فيما تبقى املجتمعات. تنمو وتسود، باملعرفة التي هي إحدى أسس السيادة. ويبقى السؤال الجدير بالطرح (من أين نكتسب املعرفة؟). لكل أمة من األمـم، مراحل صعود وهبوط، ونجاح وفشل، وفي ظـل محاوالتها اإلفـــادة مـن الـكـون ومعطياته، لـم تكن الخرافة والخزعبالت بمنأى عن حياتها، بل اعتمدت عليها طويال حتى بلغت عصور العلم والتنوير. الجامعات في األصل تعني الوعي والتمدن والتحضر واإلبداع، واالبـــتـــكـــار، واالخـــتـــراعـــات، والــكــشــوف غــيــر املــســبــوقــة، وهناك جامعات اليوم على مستوى العالم تشتغل على أبحاث تساعد بـهـا اإلنــســان فــي الــقــرن املــقــبــل، أي بـعـد 80 عــامــًا، فـيـمـا هناك جامعات تكرس في أذهان طالبها الحكايات واملرويات النظرية البائسة التي تعود إلى الوراء مئات السنني لتستند إلى خلوف مأثور السلف. اإلنسان األول كما يطلق عليه، اصطدم بظواهر وألغاز وأحاج، وانـبـرى لتفسيرها، وتحليلها بجهود فـرديـة متواضعة، لجأ فيها للسحر والشعوذة، حتى نشأت الـدول، وقامت الجامعات، وتأسست املعامل واملختبرات والتقنيات، فانكشفت الحجب، فـفـسـروا كثيرًا مما نــرى ونـظـن ونـوقـن بـأنـه ال يفسر، وحينما كانوا يصفون ما ال يستطيعون تفسيره باملعجزات، ألن العقل عاجز عن فهم كنهه، فعندما بزغ نور العلم، وأتيح للعقل حرية التفكير والعمل ولى زمن املعجزات. وبقدر ما أثبت الغرب من خالل التجريب والنظريات العلمية أن الجامعات مراكز االشعاع والتطور والتقدم، بقدر ما ترسخ فــي أذهـانـنـا مــن خــالل تجاربنا الــدراســيــة أن الجامعة مرحلة انتقالية، مـن تقليدية املعرفة، إلــى معرفة التقليد، واملحاكاة، وتــرديــد املــفــردات والـقـصـص والــحــكــايــات الــتــي تـحـلـق بـنـا في وهــم أو خــيــاالت ال تـعـدو تلك الـتـي تربينا عليها مــع الجدات الطيبات. لكل عصر خرافاته وأوهامه، إال أن دور الجامعات جزء من رسالة األنبياء والرسل في بناء اإلنسان السوي معرفيًا ليسهم في بناء مجتمعه، ويـحـرره من الجهل والتخلف، ويرتقي به من خالل أبـحـاثـه وتـجـاربـه ومـنـجـزاتـه إلــى مـصـاف الـتـحـدي واملنافسة، وكما جابه األنبياء متخلفون، سيجابه الجامعات التنويرية، قوم أشد تخلفًا وجهال من أعداء األنبياء. نتساءل اليوم، كم عـدد جامعاتنا، وكـم عـدد طالبها، ومـا عدد الخريجني سـنـويـًا، ومــا نسبة العلماء املميزين منهم والذين نعول عليهم في مواكبة العصر. أسئلتي بني أيديكم للتأمل أو التملي وإمعان النظر.