عندما لم يسقونا من مائهم.. ولم نأكل من حنطتهم !
@massaaed منذ ظهور النفط في صحارى الجزيرة العربية قبل 70 سنة تقريبا، ونــظــرة كثير مــن عــرب الـشـمـال وعـــرب أفـريـقـيـا هــي هــي لــم تتغير، وسؤالهم «العبيط» ملــاذا ظهر النفط في بـاد البدو ولـم يخرج في باد األنهر واملياه، ملاذا ولد بني أيدي األعراب أصحاب الخيام والجمال ولم يولد بني أيدي الفينيقيني الشوام والكنعانيني الفلسطينيني واألقباط املصريني والبربر الجزائريني واملغاربة، ال يكاد يغادر أدبياتهم أبدا. أمــا ملــاذا يتساءلون ويحسدوننا هـكـذا بــدون مـبـرر، فألنهم يــرون أنفسهم أحق بالبترول منا، بل إن معظم مثقفيهم وعوامهم يطالبون علنا وبكل وقاحة املشاركة فــي ثـــروات الـخـلـيـج، ولــو قـــدروا لـرمـونـا فــي الـبـحـر بــدال مــن الــيــهــود، والستولوا عليها. الغريب أنهم ال يـريـدون العيش معنا في أجوائنا القاسية وصحرائنا القاحلة، يريدون أموال النفط والغاز وهم مستلقون يأكلون الفواكه في مزارعهم وجبالهم الباردة بجوار أنهرهم وبحيراتهم. دعـونـا نذكر إخوتنا عــرب الشمال وهــم أقــرب الحاسدين لنا، مــاذا يمتلكون من ثــروات لنرى من هو األغنى نحن أم هـم، ولنعرف من فـرط في ثـرواتـه، ومـن أعاد تدويرها في باده حتى حولها من صحراء جرداء إلى مدن حية مليئة بالتمدن والتطور. قبل أن نبدأ علينا أن نعلم أن سعر لتر املياه أغلى بعشرات املــرات من سعر لتر النفط، وتكلفة زراعة األرض الصحراوية في السعودية أعلى بمئات املرات من زراعة األراضي الخصبة في ربوع الشام وفلسطني والعراق، ولذلك هم األغنى بالثروات اليوم وسابقا، لكن املسألة ليست في الغنى بل في كيف تدير ما تمتلكه. وهـا هي إسرائيل على حــدود دولهم ولديها أقـل من %10 من إمكاناتهم حولت املياه واألراضــي الخصبة إلى ثــروات مالية غير محدودة، بل إن تل أبيب الدولة األولى في العالم في تطوير تقنيات الزراعة واملياه. تعد العراق والشام من أغنى دول العالم باملياه، لدرجة أن املراقبني واملحللني تنبأوا بأن الحروب القادمة في املنطقة ستكون حروب مياه، بني دول ال تمتلكها وأخرى تعوم فوقها، ومع ذلك تحولت معظم تلك املصادر املائية إلى مجرد مستنقعات ملوثة، فا هم الذين استفادوا منها وال هم الذين أبقوها كما كانت. تـجـري فــي ســوريــة، غير نهر الــفــرات العظيم، عدد كبير مـن البحيرات والينابيع والنواعير واألنهر الـصـغـيـرة، منها على سبيل املــثــال قـويـق وعفرين والنهر الكبير في محافظة الاذقية، كما يوجد نهر آخر على الحدود السورية األردنية يسمى اليرموك تتحكم فــيــه الـــدولـــتـــان، كــذلــك أنــهــر صــغــيــرة مــثــل الــســن بردى الساجور، إضافة إلى بحيرة طبريا. في لبنان، إضافة للينابيع والعيون، فقد حباها الله بعدد كبير مـن املـصـادر، منها النهر الكبير الجنوبي ونهر أسطوان وعرقا والبارد وأبو علي (نهر قاديشا) والـجـوز وإبراهيم والكلب وبـيـروت والــدامــور واألولي وسـيـنـيـق والـــزهـــرانـــي والــقــاســمــيــة، وهـــي تــضــاف إلى األنهر الشهيرة الليطاني والعاصي والحاصباني. العراق ثرواته ال تعد وال تحصى، فمع البترول والغاز، اللذين ينتجان بكميات كبيرة، يمتلك أراضــي زراعـيـة خصبة، ويجري بطول الباد نهرا دجلة والفرات اللذان يصبان في الخليج العربي. فلسطني تمتلك هي أيضا عددا كبيرا من مصادر املياه العذبة، أهمها نهر وادي القرن، الذي يمتاز بجريان املاء طول السنة والنعامني، واملقطع، الزرقاء، اسكندرونة، نهر الفالق، العوجا ويحتل املرتبة الثانية بعد نهر األردن من حيث االتساع وكمية املياه تقدر بمساحة حوض 1752 كم2، ومعدل تصريفه السنوي 220 مليون متر مكعب، نهر صفد ينبع من جبال صفد ويتجه إلى عكا، تـلـك كــانــت ملـحـة بسيطة ملــا تمتلكه شــعــوب الــشــام من ثــروات مائية وأراض زراعـيـة نـدر وجـودهـا في منطقة جغرافية ضيقة. ولنعد بالذاكرة ملا قبل 100 عام فقط، حني كان أجداد أجدادنا يعيشون في هذه األراضــي القاحلة على مدى 7 آالف ســنــة بــا مـــاء وال كـــأل، غــيــر رب رحــــوم وفتات األرض، لم يتذكرنا حينها عرب الشمال أبدا ولم نسمع أن قوافلهم املليئة بالطعام واملياه والفواكه كانت تتجه صوب الجزيرة العربية ليل مساء لتساعد أهلها. ولم يدون التاريخ أن آباء نا وأجدادنا عابوا أو استجدوا عـرب الشمال أبــدا، أو قالوا لهم إن أنهر العرب للعرب وحنطة العرب للعرب، بل بقوا عزيزي نفس يعيشون على ما تنتج أيديهم قليا كان أو كثيرا. وملــحــة صــغــيــرة فـــي أرشـــيـــف الــبــاحــثــني واملستشرقني ملا كانت عليه الجزيرة العربية في تلك الحقبة كفيل بإعطائنا صورة عن تلك املعاناة التي لم يتعاطف معنا أحد فيها، حتى جاء اليوم الذي اكتشف فيه «البدو» النفط، فصنعوا املياه العذبة مـن الـبـحـار املـالـحـة، واستصلحوا األراضـــي الــبــور، وأضـحـت الــريــاض وأبوظبي وجدة ودبي والدمام تضاهي أجمل مدن العالم.