Okaz

‪° åW×Ołd*« wM³ —ò ÊU‬

-

البارحة تركت العمل بعد منتصف الليل بقليل بعد أن أحسست أن هذه الكرة األرضية ستبقى حبلى باملشكات حتى يوم القيامة.. جلست ألتقط أنفاسي بعد أن حظيت بحمام دافﺊ في شرفة الشقة املطلة على البحر أتأمل الخيط األزرق الداكن ينعكس عليه خطوط ضياء القمر والشجيرات البسيطة التي نبتت حول املسجد وكأنها فضلت أن تقرأ للموج في لوعة وسكون كتاب الطبيعة.. ضممت بعضي بفرح كسول وتناولت «األي بــاد» في محاولة للبحﺚ عن موسيقى تفتح ثقبﴼ في لحم الضجر وإذا بـي أعثر على تسجيات فـريـدة لــ «ليلى مــراد» كنت أتلقى التسجيل مثل طفل مفطوم حديثﴼ فـي فمه بقايا حليب وفــوق وجهه دهشة طعام جـديـد.. كـان صوت «ليلى مراد» كتغريد عصفور يسقط من تلة يبعﺚ ضوء خافت كأنه عسجد ينزل الدرج الحجري ويغيب في الروح.. أخذت أستمع إلى ذلك الصوت الجميل يردد «ياحبيب الروح فني أيامك.. وحشتني ووحشني كامك» إحساس غامض وغريب مغلف بالشجن اكتساني وأنا أتابع أغنيتها «بتنا وحشنا ووحشني هواك» لعله شجن الذكرى واألسى على أيام تمضي وال تعود.. في حالة من السمو الروحي أحببت أن أشارك بعض أصدقائي املقربني ذلـك الرحيق في محاولة إلنقاذهم من طوفان األغاني الهابطة واألصــوات النشاذ غير املـدربـة والـتـي تغني خــارج املـيـزان املوسيقي واللحن «الــــدوزا­ن» فضا عـن أنها تفتقر ألبسط عناصر الجمال في الصوت مثل القوة والدفء.. كانت مشاركة مني للحظة جمال هرب من قسوة الواقع هو التفسير الوحيد ملا قمت به.. فوجئت بأحدهم يكتب لي ممازحﴼ «هو حصل إيه يا أبا فراس أرسل لي رقم أم فراس في أمريكا ترجع تحصلك» آخر فسر املوضوع أنه مراهقة متأخرة وعلق على ما بعثت له به «راحت علينا ياسعادة الدكتور» األغلبية فسروا املوضوع أنني أقوم بالهرب من الكام في السياسة والصحة والخافات املذهبية التي أصبحت تغص بها املنتديات واملجالس واالستراحا­ت.. ولقد كتبت لهم.. إن ما اقترفته في الواقع ال هذا وال ذاك، وأنه ال يتعدى عن فعل رقيق من طفل كبير أصبح أجمل أطفال الكون شعورﴽ.. يـداه مشرعتان للجمال كحضن وطن وأصبح حبه للحنان أعمى كنهار نوم يتنفس وال يتكلم.. قلبه ال يكف عن الضخ.. يرحل كل ليلة سارقﴼ فرحة اللحظة وينام على شهقة بهجة بحجم مدينة.. يغمض عينيه على عنوان ضائع ويلوح للصمت وأحــام املساء التي تسرقها الشمس ينادي للفرح خذني معك.. ولـو أن للفرح صوتا النسدت شرايني قلبه ألنها ممتلئة بــه.. وأن املـوضـوع قد يكون مشاعر مكبوتة مـن قديم الـزمـان فنحن جيل كانت لدينا أشـيـاء كثيرة نجد صعوبة بالغة فـي قولها.. كـانـت عواطفنا وأحاسيسنا تسبح فـي مساحة مـن الشمع العسلي الــذي يلمع سطحه ببلولة خفيفة مثل الدموع التي تتراكم ولكنها تصارع حتى ال تصبح مرائية.. كنا ننمو كالفطر الداكن في الظل في بيوت لها نوافذ كالعيون املغمضة تظل دائما مقفلة تحت مظلة العيب.. ال نملك الكثير من الحياة.. ال نبوح بما يضطرب في األعماق.. كل بهجة ال بد أن تظل مكتومة ال بد أن ندفنها في الداخل.. املشاعر العاطفية واألحاسيس عورة من العورات.. لم تكن لنا طفولة حتى تكون لنا مراهقة أو شباب.. لم نعﺶ هذه املراحل باملعنى الصحيح كغيرنا من األمم في العالم األول ألننا كنا نعيﺶ في «العالم التالف» كنا زوارق تائهة في املساحات الرمادية.. إنها ساعة سمو روحي في مساء حميم.. مشاركة وجدانية ال أكثر في لحظة اكتشفت فيها أن الحياة تحتاج إلـى قليل من الحب وكثير من املشاركة وأن ال شـيء يساوي إحساسك باملشاركة كاملشاركة نفسها وأن ليس أمتع في الوجود من شعورك بمشاركة حقيقية صادقة حنونة مع صديق.. وإن هذه املشاركة هي تذكرة الهروب املجانية املمكنة الوحيدة من قسوة الحياة في زمان أصبحت األغنية األكثر شهرة «ركبني املرجيحة»!

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia