التغيرات والساند الفكري
ال تــشــغــل نــفــســك بـــالـــنـــاس، تناقضات البشر. أمنح هذه النصيحة لكل من تكالبت عليه األقاويل من قبل املعارضني آلرائه واملتجاوزين ألدب الحوار. وِفي زمن التواصل االجتماعي الذي وضع لنفسه مكانًا في كل موقع كثر الكالم وقلت الفائدة فيما يقال.. وِفي هذه املواقع تتحرك النزعة الفردية إلعالء الرؤية األحادية كمنظم لقبول األفكار أو رفضها، وهذا امللمح الجوهري يقودنا إلـى أن هـذا الفرد هو نتاج لتربية وثقافة أحادية ترفض ما يغايرها وتصم املغاير لها بالنعوت القاسية. وألن مــواقــع الــتــواصــل االجــتــمــاعــي هــي مـنـتـج ثقافة استطاعت التحرر مـن الفردية (على مستوى اآلراء)، وقبلت بالتعددية كنهج حياة، نجد أن أصحاب هذا املنتج يستخدمون مواقع التواصل االجتماعي كأداة لـيـس لـهـا قـــوة ضـاغـطـة عـلـى تسيير الــحــيــاة بالرأي الواحد، بينما لدينا مثلت (مواقع التواصل) أداة ضغط على الجميع كونها ال تــزال حبيسة الــرأي األحادي.. بينما التعددية تجيز لكل فرد حرية التفكير بناء على عقد اجتماعي يكون القانون هو الفيصل بني التعدي على القاعدة العامة التي ارتضاها املجتمع لتسيير حياته وبني من يعترض انسيابية الحياة، والقانون يجعل من التسامح الـوعـاء الرئيسي المـتـزاج األفكار وتالقحها بحيث تفرز صيغا يقبل بها الجميع مع اإلبقاء على حرية الفرد كاملة من غير نقصان. هذه هي الحياة املدنية التي تتشابك بها اآلراء من غير إحداث فوضى، وهذا يستوجب وجود إنفاق وقنوات لــتــصــريــف كـــل مـــا يــعــتــرض املــجــتــمــع مـــن اختالفات فكرية. وألننا عشنا العقود األربعة األخيرة كان فيها املجتمع مختطفًا مــن قبل األحــاديــة الفكرية الـتـي تـلـزم الفرد باإليمان بالرأي الواحد وتسفيه أي مغاير؛ لذا كانت مواقع التواصل االجتماعي تعج بالشتائم واالنتقاص ألصحاب األفكار املتباينة، والسبب في ذلك أن الشتامني ألفوا السير على فكر أحادي الجانب. ومــــع الــتــغــيــرات االجــتــمــاعــيــة املــتــالحــقــة املستشعرة بأهمية التعددية التي كان والبد من حدوثها كشرط للوصول إلى مجتمع منتج لألفكار، فالفكر األحادي ال ينتج إال نفسه حتى أن أدواته تظل عديمة التوصيل وعـديـمـة خـلـق أي أداة تسهم فــي جـعـل الـحـيـاة أيسر وأسهل. اآلن ونـحـن أمــام تـسـارع التغيرات االجتماعية يكون لزامًا إدخال أفكار تتالءم مع املتغير تأسيسًا وإجازة وخلقًا. وأعـتـقـد أن هــذا األمــر يلقى على عـاتـق هيئة الثقافة التي لم يظهر لها بريق إلى اآلن؛ إذ كان من املفترض أن تـكـون سـابـقـة للتغيرات االجـتـمـاعـيـة كجهة تعيد صياغة التركيبة الفكرية للمجتمع، وتؤكد التعددية وتــســانــد األفـــكـــار الــســاعــيــة إلـــى تـشـكـل الــفــرد وقبوله باالختالف الفكري الـذي يسعى من أجـل البناء، وألن الجميع يريد أن يبني ولكل من األفراد أداة بناء مغايرة لآلخر يصبح تعبيد الطرق أمرًا واجب الحدوث. فهل نستطيع مجاورة التغير االجتماعي بخلق قاعدة عـريـضـة لـقـبـول الـتـعـدديـة الـتـي تجعل املجتمع قويًا بمعطياته اإلنتاجية والفكرية؟ فـقـلـبـك لــيــس قـــــارة لجمع