ﺍﻟﺒﻼﺩﻱ.. ﻗﻠﻌﺔ ﻣﻜﺔ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﻣﻌﺠﻤﻬﺎ ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻲ
ﻓﻲ ﻣﺜﻞ ﻫﺬه ﺍﻷﻳﺎﻡ ﻗﺒﻞ ٨ ﺃﻋﻮﺍﻡ، ﻭﺗﺤﺪﻳﺪﺍ ﻓﻲ ٥١ ﻓﺒﺮﺍﻳﺮ ٠١٠٢، ﺧﺴﺮﺕ ﺍﻟﻤﻤﻠﻜﺔ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ ﺍﻟﺴﻌﻮﺩﻳﺔ ﻣﺆﺭﺧﺎ ﻓﺬﺍ ﻣﻦ ﻣﺆﺭﺧﻴﻬﺎ ﺍﻟﺬﻳﻦ ﺃﻣﻀﻮﺍ ﺟﻞ ﺣﻴﺎﺗﻬﻢ ﻣﻨﺸﻐﻠﻴﻦ ﺑﺎﻟﺘﺄﺭﻳﺦ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺙ ﻭﺍﻟﺸﻌﺮ ﺍﻟﺸﻌﺒﻲ ﻭﺍﻟﺘﺄﻟﻴﻒ ﻭﺍﻟﻜﺘﺎﺑﺔ ﺍﻟﺼﺤﻔﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﺤﺚ ﻓﻲ ﺍﻷﻧﺴﺎﺏ ﻭﺗﺤﻘﻴﻖ ﺍﻟﻜﺘﺐ ﺍﻟﺘﺮﺍﺛﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ، ﻧﺎﻫﻴﻚ ﻋﻦ ﺍﻻﺳﺘﺰﺍﺩﺓ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﻴﺔ ﻓﻲ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺣﻘﻮﻝ ﺍﻟﻤﻌﺮﻓﺔ، ﻓﺤّﻖ ﻟﻪ ﺃﻥ ﻳُـﺴﻤﻰ »ﺣﻤﺪ ﺍﻟﺠﺎﺳﺮ ﺍﻟﺤﺠﺎﺯ« ﻛﻨﺎﻳﺔ ﻋﻦ ﻋﻠﻮ ﻛﻌﺒﻪ ﻭﻣﻘﺎﻣﻪ ﻓﻲ ﺍﻷﺑﺤﺎﺙ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻭﺍﻟﺘﺮﺍﺛﻴﺔ ﺍﻟﺨﺎﺻﺔ ﺑﺎﻟﺤﺠﺎﺯ، ﻛﻤﺎ ﻫﻮ ﺍﻟﺤﺎﻝ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﻠﻌﻼﻣﺔ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺣﻤﺪ ﺍﻟﺠﺎﺳﺮ ﻓﻲ ﻣﺎ ﺧﺺ ﺗﺎﺭﻳﺦ ﻭﺗﺮﺍﺙ ﻭﺟﻐﺮﺍﻓﻴﺔ ﻧﺠﺪ ﻭﺍﻟﺠﺰﻳﺮﺓ ﺍﻟﻌﺮﺑﻴﺔ. ﻓﻔﻲ ﺫﻟﻚ ﺍﻟﻴﻮﻡ ﺍﻧﺘﻘﻞ ﺇﻟﻰ ﺟﻮﺍﺭ ﺭﺑﻪ، ﺑﻌﺪ ﻣﻌﺎﻧﺎﺓ ﻃﻮﻳﻠﺔ ﻣﻦ ﻣﺮﺽ ﺍﻟﺴﺮﻃﺎﻥ، ﻣﻮﺳﻮﻋﺔ ﺍﻟﺤﺠﺎﺯ ﻭﻗﻠﻌﺘﻬﺎ ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺨﻴﺔ ﻭﻣﻌﺠﻤﻬﺎ ﺍﻟﺠﻐﺮﺍﻓﻲ ﻭﻣﺮﺻﺪ ﺑﻘﺎﻋﻬﺎ ﺍﻟﻤﺆﺭﺥ ﻭﺍﻷﺩﻳﺐ ﻭﺍﻟﻨﺴﺎﺑﺔ ﻣﺘﻌﺪﺩ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﺎﺕ ﻭﺍﻟﻤﻮﺍﻫﺐ ﺍﻟﺸﻴﺦ ﺍﻟﻌﻼﻣﺔ ﻋﺎﺗﻖ ﺍﻟﺒﻼﺩﻱ، ﺭﺣﻞ ﺍﻟﺮﺟﻞ ﻋﻦ ﺩﻧﻴﺎﻧﺎ ﻛﻤﺎ ﻋﺎﺵ ﻓﻴﻬﺎ ﺑﻌﻴﺪﺍ ﻋﻦ ﺿﺠﻴﺞ ﺍﻹﻋﻼﻡ ﻭﺻﺨﺒﻪ. ﻭﻋﻦ ﻭﺻﻴﺘﻪ ﻗﺒﻞ ﻭﻓﺎﺗﻪ ﺫﻛﺮ ﺃﺑﻨﺎﺅه )ﻃﺎﻟﻊ ﺻﺤﻴﻔﺔ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ــ ٣/٣/١٣٤١( ﺃﻥ ﺍﻟﺮﺍﺣﻞ ﻟﻢ ﻳﻮﺹ ﺳﻮﻯ ﺑﺎﻟﺘﻌﺠﻴﻞ ﺑﺪﻓﻨﻪ ﺑﻌﺪ ﺍﻟﺼﻼﺓ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﺴﺠﺪ ﺍﻟﺤﺮﺍﻡ، ﻣﻀﻴﻔﻴﻦ ﺃﻧﻪ ﺭﻓﺾ ﺍﻟﺴﻔﺮ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﺨﺎﺭﺝ ﻟﻠﻌﻼﺝ ﺧﺸﻴﺔ ﺃﻥ ﻳﻠﻔﻆ ﺭﻭﺣﻪ ﻫﻨﺎﻙ ﻓﻴﺘﺄﺧﺮ ﺩﻓﻨﻪ ﻭﺍﻟﺼﻼﺓ ﻋﻠﻴﻪ ﻓﻲ ﻣﻜﺔ.
اســمــه الــكــامــل عــاتــق بــن غـيـث بــن زويـــر بــن زائـــر البالدي. ولـــد بــبــاديــة مــكــة املــكــرمــة بــالــقــرب مـــن مــحــافــظــة خليص فــي 18 يناير ،1934 وتلقى تعليمه األولـــي فــي كتاتيب قريته وتعرف في مجلس والده على الكثير من الحكايات الشعبية والنوادر والطرائف والقصائد واملرويات الشعبية فنشأ محبا لها. بعد وفاة والده، وهو لم يتعد سن العاشرة قرر أن يرحل صوب مكة طلبا للعلم في مدارسها النظامية وسعيا فـي الـوقـت نفسه لـلـدراسـة على يـد عــدد مـن علماء الحرم املكي. وبالفعل خرج من قريته (خليص) وهو مجرد راع بدوي أمي ال يملك سوى كسائه الذي يرتديه، هاربا من واقعه املعيشي املتخلف ومن سجنه الثقافي الضيق. دعـــــونـــــا نــــقــــرأ مـــــا كــتــبــتــه صــحــيــفــة الـــــوطـــــن السعودية )1431/3/3( عـن ذلـك املنعطف املصيري املهم فـي حياة البالدي «انتقل إلى مكة املكرمة والتحق باملدرسة الليلية األولــــى فــي التيسير وبــعــد 3 ســنــوات انـتـقـل إلــى املدرسة السعدية خلف القشلة. كان يدرس ليال ويعمل نهارا حيث عمل في أشغال الحجر والطني والتلييس نحو سنتني». قال في حوار صحفي لم ينشر «كنا نصلي املغرب أحيانا فـي الـحـرم املـكـي ومــن ثـم نـركـض للمسجد لـلـدراسـة، ومن ثــم نصلي الـعـشـاء فــي مسجد املــدرســة ونـمـشـي مــن هناك إلـى برحة الـغـزاوي، وكــان أخـي األكبر رحمه الله يرعاني ويوجهني، وكان لي صديق في سني اسمه سعد األحمدي اقــتــرح عــلــي أن نــذهــب لــلــمــدرســة الــنــهــاريــة، حــيــث كانوا يتخرجون من سنة سادسة في ذلـك الوقت وأعمارهم 11 سنة، والقبول كان في الخامسة، وإذا تخرج دخل االبتدائي ولــو تـخـرج مــن االبــتــدائــي أصـبـح مــدرســًا، ومــن ثــم ذهبت لـلـديـرة فــي العطلة واسـتـطـعـت أن أدبـــر بـعـض القريشات «الـنـقـود» الـتـي تكفي ملــدة سنة كـامـلـة، إضـافـة إلــى العمل فـي مـواسـم مكة وخـاصـة الـحـج، واستطعنا تدبير مبالغ ومصاريف الدراسة االبتدائية حتى يسر الله لنا وانتهينا مـنـهـا». وهــكــذا «الـتـحـق بـاملـعـهـد الـعـلـمـي الــســعــودي سنة 8631هــــ، وكــان موقعه فـي سـوق الليل تحت قصر الصفا اآلن من الجهة الشمالية، ولم يكن موجودا في ذلك الزمان ثانوية غيره سوى مدرسة تحضير البعثات فدرس بها». تقول سيرته الذاتية املنشورة إنه التحق بعد ذلك بالجيش السعودي، فدرس في مدرسة املشاة بالطائف التي تخرج منها برتبة وكيل ضابط (وكيل رقيب) في عام ،1956 وإنه بتلك الصفة العسكرية تم ضمه إلى اللواء السعودي الـ11 الـذي أرسـل إلـى األردن لتعزيز قـوة الجيش األردنــي أثناء العدوان الثالثي على السويس. وتـبـدو نجابة وأملعية الـبـالدي جلية منذ سـنـوات شبابه املــبــكــرة بـدلـيـل أنـــه انـتـهـز فــرصــة وجــــوده فــي األردن ملدة عـــامـــني لــلــحــصــول عــلــى 3 دورات عــســكــريــة فـــي الجيش األردنــــي، إضــافــة إلــى حـصـولـه عـلـى دبــلــوم الـصـحـافـة من معهد دار عمان العالي، وهو ما جعله يدخل تاريخ بالده كأول سعودي يحصل على دبلوم في الصحافة. واصـل البالدي عمله بالجيش السعودي بعد عودته إلى بالده من األردن متنقال من مكان إلى آخر. وحينما أحيل إلى التقاعد في عام 1977 كان قد وصل إلى رتبة «مقدم»، وكان قد أتقن اإلنجليزية. فــي أعــقــاب تـقـاعـده اتـجـه إلــى الـعـمـل الـثـقـافـي والصحفي مـسـتـغـال مــا اكـتـسـبـه فــي هـــذا الــحــقــل مــن دراســـتـــه فــي دار عمان العالي. فعمل بادئ ذي بدء مراسال صحفيا لبعض الــصــحــف الــســعــوديــة، قــبــل أن يــكــتــب املـــقـــال فـــي عــــدد من صـحـف الـحـجـاز مـثـل صــوت الـحـجـاز والــبــالد وحـــراء وأم القرى وعكاظ والندوة وغيرها، عالوة على كتابة املقاالت والبحوث في املجالت الشهرية واألسبوعية الرصينة مثل املنهل والعرب. الحقا أسس لنفسه بحي ساحة إسـالم في مكة (املعروف عند املكيني بحي الساحة) «دار مكة للنشر والتوزيع» التي تخصصت في نشر وتوزيع مؤلفاته. هذا العمل الثقافي الدؤوب، الذي أثمر مئات املقاالت وأكثر من 40 كتابا قيما، حقق له شهرة في األوســاط الثقافية، سرعان ما ترجمت بحصوله على عضوية أشهر األندية األدبــيــة الــســعــوديــة، مـثـل نـــادي مـكـة األدبــــي، ونــــادي جدة األدبــي، ونـادي الطائف األدبــي. كما أن رحالته من العراق شماال إلى اليمن جنوبا، التي سعى من ورائها التحقق من الطرق واألوديـــة والسهول واملــضــارب، ثم رحلته الطويلة الــتــي بــــدأت مــن مــكــة وانــتــهــت بــهــا مـــــرورا بــكــل مــن عمان ودمشق وبيروت والالذقية وحلب وحماة وحمص وبغداد والـبـصـرة والـكـويـت والــدمــام والــريــاض، وأخــيــرا مؤلفاته الـجـغـرافـيـة الــعــديــدة عــن الــجــزيــرة الـعـربـيـة ومــكــة املكرمة واملـديـنـة املــنــورة، أكسبته عضوية «الجمعية الجغرافية السعودية». كــان الــبــالدي مــن أوائـــل املــؤرخــني واملـحـقـقـني الـــذي نذروا أنفسهم لنقد وتصويب األخـطـاء التي ظهرت فـي العديد من املؤلفات القديمة، من تلك التي راحت تؤخذ كمسلمات مـع مــرور الـزمـن. وقــد خصص لهذا كتابا سماه «محراث التراث.. نقد وإيضاح لعدد من الكتب التراثية»، ونشره في عام .2006 عن هذا الكتاب قال مؤلفه: «كنت أقرأ في كتب سلفنا وكنت أجد بني الفينة واألخرى، بني ثنايا هذه الكتب، أخطاء إما من عمل الناسخ، أو ما أبهم على املؤلف الذي غالبا لم ير كـل مـا كتب عنه إنما ينقل عمن سبقه، فتكررت األخطاء حتى صــارت تؤخذ وكأنها حقائق مسلم بها. ومنذ مدة عدت إلى هذه الكتب، أقرأ وأؤشر على ما أراه، فلما وجدت الكم كثيرا عزمت -بعد استخارة الله- على جمعه في كتاب، لعل الباحثني يجدون فيه ما يساعدهم على بعث الحقائق، بعيدة عما تورث من تلك األخطاء». ومـــــن الــكــتــب املـــعـــروفـــة الـــتـــي تــنــاولــهــا الــــبــــالدي بالنقد والــــتــــصــــويــــب: األصـــــنـــــام لــلــكــلــبــي، نـــــــــوادر املخطوطات لعبدالسالم هارون، العققة والبررة البن املثنى، أسماء جبال تهامة وسكانها لعبدالسالم هـــارون، الـبـلـدان لليعقوبي، الخراج وصناعة الكتابة لقدامة بن جعفر، صورة األرض البـــن حــوقــل، كــتــاب أحــســن الـتـقـاسـيـم فــي مـعـرفـة األقاليم للمقدسي، نزهة املشتاق في اختراق اآلفاق لإلدريسي، آثار البالد وأخبار العباد للقزويني، كتاب الروض املعطار في خبر األقطار للحميري. عــدا عــن كـتـاب «مــحــراث الــتــراث» ألــف الــبــالدي ألــف جملة مـن الكتب واملـعـاجـم، لعل أهمها: معجم معالم الحجاز 10( أجـزاء استغرق إعدادها 18 عاما)، معجم قبائل الــحــجــاز 3( أجــــــزاء)، مـعـجـم املــعــالــم الجغرافية في السيرة النبوية، معجم الكلمات األعجمية والغربية في التاريخ اإلسالمي، معجم القبائل الــعــربــيــة، األدب الـشـعـبـي فــي الــحــجــاز، نسب حرب، معالم مكة التاريخية واألثرية، الرحلة الــنــجــديــة، طــرائــف وأمـــثـــال شـعـبـيـة، بــني مكة وحـضـرمـوت، بـني مكة والـيـمـن، أخــالق البدو، خيبر ذات الحصون والعيون والنخيل، أخبار األمم املبادة في القرآن الكريم، رسائل ومسائل في األنساب والتاريخ والجغرافية، هديل الحمام فــي تــاريــخ الـبـلـد الــحــرام 4( مــجــلــدات)، ألحان وأشــجــان (ديـــوان شــعــري)، مــذكــرات 3( أجزاء)، هبة الـــودود فـي نسب الــعــرادات ذوي حمود. أما أقرب الكتب السابقة إلى قلب الرجل فهو كتاب «معجم قبائل الحجاز» الــذي أخذ مـنـه وقــتــا طــويــال، عـلـى اعـتـبـار أنه كـتـاب مـوسـوعـي يتتبع بطون الــــقــــبــــائــــل الــــعــــربــــيــــة التي سكنت الحجاز منذ فجر التاريخ تتبعا تنازليا من أكبر القبائل إلى أصـــغـــرهـــا، ناهيك عــن أن املــؤلــف قام شـخـصـيـا بزيارة أمــــــــاكــــــــن وجــــــــود تــــــلــــــك الـــــقـــــبـــــائـــــل وكتب على لسان رجاالتها.