إسماعيل ولد الشيخ
قدم المبعوث الأممي الخاص إسماعيل ولد الشيخ تقريره النهائي إلى مجلس الأمن عن مهمته التي استمرت فـي اليمن منذ الأول مـن مـايـو 201٥ )بـــدأت الـحـرب فـي 26 مــارس 201٥،) إلـى نهاية فبراير 2018، وقـد بـذل الكثير مـن الجهود لـلـتـوصـل إلــى اتــفــاق يـضـع الـيـمـنـيـين فــي بــدايــة طريق يؤدي إلى سلام مستدام، لكن تضخم مصالح المنتفعين من استمرار الحرب غيبت عنهم أحزان ملايين اليمنيين وأغفلت عن ضمائرهم تكلفتها الإنسانية وما أحدثته من تمزق للمجتمع مذهبيا ومناطقيا. في خطاب «الــوداع الأممي» تناول ولـد الشيخ خلاصة تـجـربـتـه الـيـمـنـيـة وكــانــت مـفـرداتـهـا مـزيـجـا مــن ضيق وإحباط وحـزن، وليس كل ذلك لعجز في أدائـه وفريقه ولــكــن بـسـبـب عـجـز الأطــــــراف المــتــحــاربــة عــن الارتفاع بمستواها الوطني من حالة الصراع حول قضية السلطة تحت شعارات )استعادة الـدولـة( و)الحق الإلـهـي(، وقد عبر ولــد الشيخ عـن هــذه الـحـالـة بقوله )إن مـا ينقص هو التزام الأطـراف بتقديم التنازلات وتغليب المصلحة الوطنية( وهـي فـقـرة تختزل جـوهـر الـصـراع اليمني - اليمني الدائر حول تقاسم السلطة وإن اختلفت مفردات التعبير عنه. أشعل الحوثيون فتيل الحرب الأهلية في 21 سبتمبر 2014 بــأن اقـتـحـمـوا كــل مـؤسـسـات الــدولــة، وتحكموا فـي كـل الــقــرارات الـتـي تـلـت سيطرتهم عـلـى العاصمة، وقوضوا كافة أركان الدولة، ولم يقف الأمر عند هذا الحد إلا بعد التوقيع على )اتفاق السلم والشراكة الوطنية( الـذي كـان في جوهره استسلام السلطة القائمة حينها وتنازلها عن قيمة الحكم السياسية والسيادية، وصار مـا حــدث بـعـد ذلــك مـقـدمـة لـلـحـرب الأهـلـيـة الـتـي مزقت البلاد وانهارت معها المؤسسات وعلى رأسها الجيش، ولـم يكن الإقليم بعيدا عـن متابعة الأحــداث المتسارعة والتأثر بما يدور، إذ إن المشهد الداخلي أعطى مؤشرات لانتهاء دور الـدولـة واستحالة ممارسة مهامها، وهنا كان قرار التدخل العسكري مبنيا على معلومات أثارت قلقا شـديـدا كـان تجاهلها مستحيلا، كـذا كـان مـن غير المعقول عند صانعي القرار في الإقليم البقاء بعيدا دون فعل سريع. لـم يـتـردد ولــد الـشـيـخ فـي تـقـريـره الــوداعــي فـي توجيه الاتــهــام وتـحـمـيـل الـسـاسـة مـسـؤولـيـة مــا يــجــري، وقال حـرفـيـا «يـجـب ألا نـنـسـى أن هـنـاك سـيـاسـيـين مــن كافة الأطراف يعتاشون من تجارة السلاح واستغلال الأملاك العامة لأغراض شخصية،» وهذه الكلمات كانت صدى قويا للكثير من التقارير الموثقة التي تتهم أطرافا يمنية بعينها بالتغافل عن الكارثة الإنسانية وانتشار الأوبئة وتفرغهم لتأمين المـصـالـح الشخصية، واسـتـمـرار مثل هذه الأفعال يجعل وقف الحرب أملا بعيد المنال، كما أن اهتمام الإقليم والعالم بما يجري هو انعكاس لإدراكهم بتعاظم المخاطر الإنسانية الكارثية التي يعيشها أكثر مـن 20 مـلـيـون يمني انقطعت كـل مــواردهــم وتقلصت مصادر رزقهم بسبب الإهمال وعدم الاكتراث. كانت مفردات ولد الشيخ شديدة في قسوة التعبير عن إحباطه وحزنه، وكانت مثيرة إشارته الصريحة لوجود ما سماه )خارطة سلام( وهو تعبير تفادى معه استفزاز من يتهربون من تسميتها )خـارطـة الطريق(، ويقيني أن كل الأطـراف الإقليمية والدولية صـارت مقتنعة بأن إحلال السلام أمر لا يجب التردد في اتخاذ كل الخطوات الـواجـبـة لتحقيقه، ولـعـلـه مـن الـجـديـر التفكير بدعوة أطــراف يمنية مـؤثـرة للقاء بعيداً عـن ضجيج الإعلام، يبحثون فيه كل المخاوف والضمانات المطلوبة داخليا وإقليميا، فلم يعد في الوقت متسع.