Okaz

التجنيس والهجرة!

-

أتــــابــ­ــع مـــثـــل غــــيــــ­ري الــــــحـ­ـــــوارات املــلــتـ­ـهــبــة والــــحــ­ــادة بخصوص موضوع التجنيس في السعودية عموما، وتجنيس أبــنــاء املــواطــ­نــة الـسـعـودي­ـة تــحــديــ­دا، وأرى وأقــرأ وأسمع آراء مؤيدة لذلك تطرح أسبابها بناء على أطروحات حقوقية عمال بما هـو متبع فـي دول العالم املـدنـي املتحضر الذي يمنح إقامة حرة ملن أقام في بلد ما سنوات محددة وهو حسن السير والسلوك، وبعد ذلك ينال جنسية البلد بشكل طبيعي وللمواطنة فيه نفس حقوق املواطن من ناحية منح الجنسية ألبنائها عمال بمبدأ املساواة والحق العادل في الفرص. عموما هذه املسألة تدخل ضمن مـنـظـومـة حــقــوق اإلنــســا­ن الـعـاملـي­ـة وسـيـتـم الـتـقـيـد بـهـا عـاملـيـا كحق إنساني عام مثلما تم تحرير الرق ومنع االتجار بالعبيد ذات يوم. وهـنـاك أصــوات معارضة بطبيعة الـحـال ولـهـذه األصـــوات أسبابها التي تتمحور من إدخـال عنصر «غريب» على املجتمع، وصوال إلى أسباب اقتصادية، مرورا بعنصرية ال يمكن أبدا إغفالها وال الدفاع عنها وال التبرير لها. ووسط هذا الحديث هناك ظاهرة متنامية لم تنل نفس القدر من االهتمام واملداولة وال التغطية اإلعالمية إال من خالل جلسة واحـدة خجولة في مجلس الشورى، مع أن هذه املسألة ال تقل أهمية عــن مسألة التجنيس. وهـــذه الـظـاهـرة الـتـي نحن في صدد الحديث عنها هي ظاهرة هجرة السعوديي. هناك «جاليات» سعودية في املهجر، ولم تعد الهجرة مقتصرة على أهل بالد الشام من لبنان وسوريا واألردن وفلسطي وال مصر والسودان وال أهل بالد املغرب العربي من تونس والجزائر وليبيا وال اليمن والعراق، ولكن هناك سعوديي يهاجرون ألسباب مختلفة. فالجالية السعودية في مصر تجاوز عددها النصف مليون، وهناك مئتا ألـف سعودي في الكويت وعـشـرات اآلالف في األردن والبحرين واإلمـــار­ات، وعــدد في لبنان وأعداد في دول أوروبا وأمريكا وكندا وأستراليا وإندونيسيا وماليزيا وسنغافورة، وأعداد فردية في جيوب مختلفة حول العالم من البرازيل، مرورا بالهند، وصوال إلى الصي وحتى جنوب أفريقيا. جاليات لها استثماراته­ا ولها مدارسها ولها أسواقها ولها أحياؤها. ال بد من البدء في إيجاد إستراتيجية واضحة للتعامل معهم لإلبقاء على خط الرجعة، وهـي ظاهرة ليست جديدة في العرف املجتمعي السعودي، فكانت من قبل ظاهرة «أهل الزبير» في العراق والعقيالت الذين هاجروا وسكنوا في بالد الشام. من املهم وضع إستراتيجية استباقية مع أعــداد متزايدة من املهاجرين السعوديي في الخارج لــالســتـ­ـفــادة مـنـهـم كــقــوى نــاعــمــ­ة تــوظــف لــخــدمــ­ة الـــبـــا­لد والترويج اإليجابي لها كقوة ضغط ثقافي واجتماعي واقتصادي مع الدول التي يقيمون فيها، ومن املهم االستفادة من رؤوس أموالهم لجذبها مــجــددا كـمـا فـعـلـت الـحـكـومـ­ات الصينية والـهـنـدي­ـة واإلندونيس­ية مـع مواطنيها فـي الــخــارج، الـذيـن كـانـوا أول أهــداف حمالت الجذب االسـتـثـم­ـاري املـكـثـف. الـهـجـرة الـسـعـودي­ـة إلــى الــخــارج تنمو وتكبر، وأصبحت واقعًا «كبيرًا» وال يمكن إنكاره وإغفاله وعـدم االستفادة منه، وقد يبدو أنه من الضرورة البدء في إدراج «الهجرة» كفرع في مهام وزارة الخارجية ووزارة التجارة واالستثمار على سبيل املثال للتحضير العملي في التعامل مع واقع جديد. السعودية تتغير على أكـثـر مــن صـعـيـد، ومــن ضـمـن الـتـغـيـر­ات الـتـي مــن املـطـلـوب التعامل الجاد معها الجاليات السعودية املتزايدة في الخارج وتحويلها إلى عناصر دعم وقوى مساندة بدال من عزلها.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia