طاق طاقية.. ورياضتنا النسائية!
ليس هناك أدنى شك في أن الرياضة ال تقل أهمية عــن الـسـيـاسـة. كـمـا أن الــريــاضــة لــم تـعـد تقتصر على الجوانب الترفيهية، والتنافسية، بل أضحت ترتبط بالهوية الوطنية، وتتوسع لتشمل فئات املجتمع ذات االحتياجات الخاصة. ونتذكر كيف أن مـبـاراة فـي كـرة مضرب الـيـد غـيـرت مـسـار الـعـالقـات بــني الـصـني والــواليــات املـتـحـدة في منتصف سبعينات القرن الـــ02. ويأتي هـذا املقال استكماال ملا بـدأتـه فـي سلسلة املـقـاالت الرياضية. وأطـمـح إلــى أن يكون فيه تحليل واقع ملمارسة الرياضة في مجتمعنا، مع التطرق لبعض املعوقات الفكرية، واملـاديـة، واالجتماعية، والصحية، وهـي في مجملها عوامل جعلت الرياضة أمرًا ثانويًا في حياتنا، أو جعلت مفهومها لدى العامة يقتصر على جانبها الترفيهي وحده. أهـــم املــعــوقــات الـفـكـريـة الــتــي تــحــول دون قــيــام الــريــاضــة بدور متكامل في البناء الوطني تتمثل في ارتـبـاط الرياضة بجنس من يمارسها (الـذكـور). وهي نتيجة القتصار صفوف الرياضة فـي مــدارس البنني، وحظرها فـي مــدارس البنات. وهـو عائق ال يزال يثير جدال منذ نشأة تعليم البنات في بالدنا. وبسبب ذلك ارتبطت الرياضة شيئًا فشيئًا بفهم خاطئ يزعم ضعف اإلناث، وعدم وجود قدرات جسدية لديهن على ممارسة الرياضة. وقاد ذلك نوعًا ما إلى االعتقاد الجائر بأن من تمارس الرياضة ال بد أن تكون «مسترجلة»! ومن أسـوأ العادات التي ارتبطت فكريًا بممارسة الرياضة أنها تـــمـــارس ألهــــداف مـؤقـتـة وسـطـحـيـة، تــهــدف إلـــى املـظـهـر وليس الجوهر؛ كإنقاص وزن، وعــالج ترهل، وبناء عضالت، أو نحت الجسد. وهي معوقات ال بد من اإلسـراع في معالجتها لتحقيق الغرض السامي املنشود من ممارسة الرياضة في مجتمع يتطلع ألن يكون جزء ا ال يتجزأ من العالم. وثمة معوقات سوسيولوجية ال ينبغي إغفال تأثيراتها الضارة؛ إذ إن األجــيــال الـشـابـة يـقـضـون غـالـبـيـة أوقــاتــهــم عـلـى األجهزة اإللكترونية، بـل ينامون ويستيقظون عليها ومعها. وقــد أدى ذلـــك، فــي جـانـب كبير مـنـه، إلــى تــضــاؤل املــهــارات املكتسبة عن طـريـق التعلم الـتـقـلـيـدي. وأدى إلــى شـيـوع مـشـكـالت معاصرة، مـن قبيل السمنة والترهل البدني، واألمـــراض الناجمة عـن قلة الحركة. كما أن التواصل االجتماعي الحقيقي تضرر أكثر من غيره مـن جــراء ذلــك، بعدما باتت وسـائـل التواصل االجتماعي تـقـوم مـقـام الــزيــارات الشخصية، وزيـــارات الـتـعـارف واملجاملة، واكتساب الخبرات الحقيقية من الحياة التي صدق من وصفوها بأنها مدرسة، بل جامعة كبيرة. ففي املــاضــي قبل هــذه األجــهــزة كنا نلعب فــي طفولتنا ألعابًا شعبية حـركـيـة، مثل «طــاق طــاق طـاقـيـة» و«الـحـبـشـة» و«طش» وغيرها. ولم يكن هناك شعور بامللل والضجر من تلك األلعاب البريئة التي ال تخلو من خبرات يكتسبها الطفل قبل أن يكبر ليبحث عن رياضة تحقق له معاني الترفيه، والتنافس، وكيفية االجتهاد واالستعداد. وهـــنـــاك مـــعـــوقـــات مـــاديـــة تــجــعــل الـــريـــاضـــة لــيــســت نــشــاطــًا في متناول الشباب من جميع الطبقات واألعمار. فال بد من الجهر بحقيقة غـالء أسعار غالبية األنـديـة. فاملميز منها أسـعـاره غير مقدور عليها، إال من طبقة معينة في املجتمع، فهناك كثير من املـواهـب تموت بسبب ذلــك االستبعاد الـقـسـري. وهـنـاك بالطبع عــوامــل صـحـيـة، منها الـنـفـسـي. ومـنـهـا الــعــضــوي. ومــن أسباب بعض العوامل النفسية الكسل، والخمول. ومن مسببات العوامل الصحية املعيقة سوء التغذية، ونقص الفيتامينات، أو عدم شرب كميات كافية من املاء. وإذا نظرنا إلــى جـانـب مهم فــي املـعـوقـات االجـتـمـاعـيـة، سنجد الجانب األخالقي مسيطرًا، إذ إن كثيرًا من األسر تسعى لتحطيم مـواهـب أبنائها، وتـحـارب ميولهم ملمارسة الـريـاضـة، وتطوير مــواهــبــهــم فـــي ألــعــابــهــا املــخــتــلــفــة، لــخــوفــهــم عــلــى أبــنــائــهــم من االلـتـحـاق بــأي مـجـال ريــاضــي، بـدعـوى أنــه يمكن أن يـؤثـر على أخالقهم، أو سالمتهم. والسؤال هو: هل الرياضة هي السبب؟ أم أن رفقة السوء، أو الهشاشة الفكرية التي تدعو الشاب لالقتداء بمشاهير نجحوا وملعوا ثم دمروا أنفسهم بممارسات سيئة هي السبب الحقيقي؟
أمـــا مــعــوقــات الـــوصـــول إلـــى الــخــدمــة فـيـكـمـن بـعـضـهـا فــي عدد األندية، وتوزيعها على األحياء، وتوافر املختصني فيها. والواقع أن املــنــشــأة الــريــاضــيــة يـنـبـغـي أن تــكــون مــثــل املـــدرســـة. يتوافر فيها املـعـلـمـون واملـــدربـــون، ولــكــن يــوجــد فيها أيــضــًا املشرفون االجـتـمـاعـيـون، واالخـتـصـاصـيـون الـنـفـسـيـون، واألطــبــاء املهرة. ويتصل بذلك أهمية وجـود ما يحفز استمرار النمط الرياضي في الحياة، وهو وجود مراكز لبيع األغذية الصحية في األندية، أو بالقرب منها. فليس كل األشخاص لديهم القدرة على توفير الطعام الصحي، أو الوقت الكافي للقيام بذلك بأنفسهم. وحني يؤخذ هذا الجانب من أبعاده املتكاملة فسيقود إلى ضرورة أن تكون تلك األنـديـة مؤسسات تعليمية وتثقيفية مقتدرة. إذ إن الرياضة ليست جسمًا سليمًا فحسب، بل هي جسم سليم في عقل سليم. ولعل القول البريطاني الــدارج يؤكد ذلــك: الرياضة هي النقطة التي يلتقي عندها االستعداد الجيد والفرصة السانحة. ويعني ذلـــك ضــــرورة تـهـيـئـة الـبـيـئـة املــواتــيــة لــلــنــجــاح. فــالــريــاضــة كما أسلفت هي في أساسها فن تعلم الحياة. ومن الطموح والتدريب واإلخفاق يأتي النجاح، فالرياضة تربية النفوس قبل أن تكون إحــــرازًا لــلــكــؤوس.. وفـــي املــقــاالت الــقــادمــة سـأتـطـرق إلــى أهداف وحلول مقترحة. * إعالمية وكاتبة سعودية