Okaz

... بل هي أحكام قضائية!

- محمد أحمد الحساني* mohammed.ahmad568@gmail.com

تصف الصحف ووسـائـل اإلعــالم ما يصدر من أحكام قضائية بـأنـهـا أحــكــام شـرعـيـة، فـيـقـال: «صـــدر حـكـم شـرعـي بـكـذا وكذا»، وإطالق صفة شرعي بنسبة الحكم القضائي إلى الشرع الحنيف يمنحه القداسة؛ ألن املشرع هو الله عز وجل أو ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم بوحي من الله «وما ينطق عن الهوى إن هــو إال وحــي يــوحــى»، والــشــرع هــو مــا وافــق الــشــرع ال مــا وافق الهوى أو كان محال لالجتهاد أو املراجعة واألحكام القضائية وإن هي في األصل مبنية على أصول شرعية وأدلـة من الكتاب والسنة إال أن القضاة يجتهدون وقـد يوافق حكمهم القضائي الشرع وقد ال يوافقه؛ ولذلك نبه سيدنا ورسولنا صلى الله عليه وسلم الصحابي الجليل سعد بن معاذ رضـي الله عنه عندما بعثه إلى اليمن معلمًا وقاضيًا بأال يقول لهم عندما يحكم لهم أو بينهم في أمر من أمورهم إن ما حكم به هو حكم الله، ولكن يقول لهم هذا حكمي فيما عرضتموه علي من أمر، ألنه أي معاذ ال يدري إن كان حكمه موافقًا لحكم الله أم غير موافق! فإذا كان هذا التنبيه الحكيم الشريف صدر عن الرسول األعظم والنبي األكرم لصحابي وعالم جليل، فكيف يأتي بعد ذلك من يزعم أن ما حكم به في مجلس القضاء هو حكم شرعي، ألن األولى أن توصف جميع األحكام الصادرة عن القضاة في املحاكم بأنها أحكام قضائية، ألنها قابلة للمراجعة من قبل محكمة االستئناف يحق للمتخاصمني أمام القاضي تقديم الئحة اعتراض على ما حكم به ولـو كـان حكمه شرعيًا أي موافقًا للشرع تمامًا فكيف يجيز النظام القضائي تقديم الئحة اعتراض عليه ورده وربما إلغاءه من قبل قضاة محكمة االستئناف، وهـذا ال يعني أن كل حكم قضائي ال يوافق الشرع ولكنه يعني أن األحكام القضائية يـصـدرهـا قــضــاة مـجـتـهـدو­ن فـمـا وافـــق منها الــشــرع فـهـو حكم شــرعــي ومــا كــان مـحـتـاجـًا ملـراجـعـة واعــتــرا­ض عليه فـهـو حكم قضائي يراجع ويصحح من قبل محكمة االستئناف وربما من قبل املحكمة العليا في البالد إن دعت الحاجة لذلك، ولم يرد أمر بعدم التخيير إال فيما صـدر عـن الله عـز وجـل ورسـولـه األكرم من قضاء «وما كان ملؤمن وال مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرًا أن يـكـون لهم الـخـيـرة مـن أمــرهــم» أمــا مـا يحكم بـه الـقـضـاة من البشر فهو حكم قضائي ال يصبح مستحقًا لصفة شرعي إال إذا وافق تمامًا شرع الله، ولذلك فإن األولى بكل من «ابتلي» بمهنة القضاء وتحمل مسؤولياتها الجسيمة أن يتواضعوا ويعلموا علم اليقني أن أحكامهم القضائية يمكن أن يشوبها نقص أو خلل غير مقصود وأنهم في جميع األحـوال مجتهدون وأن أفضلهم منزلة وأعالهم شأنًا من يجتهد في تحري الحق والصواب في أحكامه ولعله يدرك ما تحراه بتوفيق من الله عز وجل؛ ولذا فإن على أي قــاٍض أال يجد فـي نفسه حرجًا أو ضيقًا إن روجــع في حكم قضائي أصدره فقد يكون حكمه مجانبًا للصواب مخالفًا للشرع فيكون في املراجعة منجاة له من املساء لة يوم ال ينفع مال وال بنون إال من أتى الله بقلب سليم.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia