نار على عَلم

كما أقـول -وسـأقـول- تحولت مواقع التواصل االجتماعي إلى أداة ضغط على الجميع، وعلى أي نشاط ترفيهي اجتماعي، ومن املهم جدًا أن تكون هناك قنوات تمثل املجتمع في مطالبتها بما يحقق رغبات الناس، وهذه القنوات تكون مؤسسات لها منظومة وأهداف وتخضع لقانون وأنظمة البلد وتـعـرض نفسها للعقوبة إن هي زورت أو ادعت ما ليس صحيحًا.. إال أن مواقع التواصل ليست جهة موثوقًا بها، إذ يمكن ألي غر التغريد وفق عمره الصغير غير املدرك ملــا يــحــدث وتـغـيـب عـنـه مـسـائـل جــمــة، أو شـخـص مــصــاب بصدمة التغيرات االجتماعية املتالحقة، كما مكنت هـذه املواقع املندسني املحرضني والباحثني عن خلق تذمر اجتماعي من خالل تصوير أي حدث على أنه فجور وفسوق وكيف لبلد الحرمني أن يحدث به هذا الحدث أو ذاك.. مستخدمني في ذلك وسائل غير شريفة لنقل الخبر أو الحدث كأن يتم إسقاط أحـداث ومشاهد لم تكن في أي مناسبة داخل البلد على أنها مأخوذة من قلب الحدث. وفـي اليومني األخيرين قفز هاشتاق أزيــاء في املدينة املنورة إلى الـتـرنـد، شــارك فيه خلق كثير غلب على آرائـهـم التشدد والجنوح إلى الغضب كونهم شاهدوا عرضًا ال يتسق معهم ومع تربيتهم، بينما املشاهد املنسوبة للحفل لم تحدث بالبلد، وإنما تم إقحامها من عروض أزياء خارجية، وأضيف لهذا التزييف ادعاء أن العرض حـضـره الــرجــال، بينما حقيقة مـا حــدث أن املناسبة أقيمت داخل فندق وتحت مظلة وزارة الشؤون االجتماعية وترعاها شخصية محترمة جدًا، وأن ريع هذا العرض سيذهب إلى مرضى التوحد.. وبــمــقــدرة (األفـــاقـــني) قـيـل مــا ال يــقــال، وتـحـركـت عجلة املحرضني لدفع املغردين للتطاول على كل شيء ودفع الناس إلى التشنج في فوضى محمومة وألسنة حداد... وألن الهدف تحريضي فقد دخلت حسابات مـن خــارج البلد، ونشطت قـنـوات محسوبة على جماعة اإلخــوان في سكب الزيت على النار، وفي املحصلة كان التحريض على البلد بساستها وعلمائها ومؤسساتها حاضرًا.. وعادة الغاضب ال يستطيع إصدار حكم في القضية املنظورة، وألن املغردين غاضبون (فقط غاضبون) وصلت إليهم معلومة خاطئة فحدث أن انساقوا لتصديق املغالطات، ولم يتحرزوا من قول ما ال يليق باإلنسان العاقل. وألن لدينا تاريخًا يحرم بعض الفنون ويدخلها في باب الفسوق والفجور كالسينما والنحت واآلثار واملوسيقى والغناء غدت هذه الــفــنــون مــجــاال صـاخـبـًا إلثــــارة املـجـتـمـع الـــذي اليــــزال حــديــث عهد بكثير من تلك املمارسات االجتماعية كحدث لم يألفه الكثيرون.. وألن السينما مثال حرمت على خلفية أنها تبث الفساد فقد ظللنا سـنـوات طــواال في تحريمها، وعندما تقدم الزمن عـرف بعض من املحرمني أهمية السينما كأداة مؤثرة في الناس.. وألن األزيـاء لها سمعة سيئة في أذاهننا تم خلط املفاهيم وإدخــال مشاهد ألزياء ال يمكن لها أن تحدث بالبلد على أنها حدثت.. ومن يشاهد أولئك العارضات على أنهن سعوديات تمايلن وتراقصن وظهرن بفساتني عارية يبصم بالعشرة أن ذلـك لم يحدث في املدينة، لكن املحرض ال يريد إال إثـارة الفنت، وقلة من املغردين تنبهوا لألمر لكن كثافة الغاضبني واملحرضني غيبت حقيقة عرض األزيـاء الذي حدث في املدينة.