على خطى «املؤسس».. َوثْبات «احلفيد» تتوالى

«مسك اخليرية».. القوة الثقافية الناعمة

كــان الـشـبـاب فـي اململكة سابقًا يتطلعون ملنصة عصرية تتواكب مع طموحاتهم وتكتشف إبداعاتهم وتبرزها حول الـعـالـم، وتساعدهم على إبـــراز قـدراتـهـم، وهــو مـا انتبه له ولي العهد األمير محمد بن سلمان، فأسس مؤسسة «مسك الخيرية» ورأس مجلس إدارتــهــا. وفـي كلمته األولــى قال: «سنسعى من خال مؤسسة «مسك الخيرية» إلى األخذ بيد املـبـادرات والتشجيع على اإلبــداع، بما يضمن استدامتها ونـمـوهــا للمساهمة فــي بــنــاء الـعـقـل الــبــشــري». ومـــن هذه الــخــطــوط الــعــريــضــة اسـتـلـهـمـت «مــســك» حــضــورهــا حتى غدت منصة يشار إليها ببنان نشر املعرفة ودعم االبتكار، وأضحت ترحل مع ولي العهد في جميع رحاته الخارجية حتى حطت رحالها هـذه األيــام فـي العاصمة البريطانية «لندن». وتقدم «مسك» ـ الذراع الناعمة ـ الشباب السعودي بطريقة مبتكرة ومبدعة حصدت على إثرها إعجاب الدول التي تحط فـي رحالها، وآخــر مبادراتها تنظيم فعاليات تــواكــب الــزيــارة الـتـاريـخـيـة لـولـي الـعـهـد األمــيــر محمد بن بسحنته العربية وطوله الفارع وذكائه املتقد، حقق ولي العهد نــائــب رئــيــس مجلس الـــــوزراء وزيـــر الــدفــاع األمــيــر محمد بن سلمان أهـدافـه الرئيسية في جولته األولــى منذ توليه والية العهد في يونيو ،2017 إذ طوى في معيته القوى السياسية واالقـتـصـاديـة واإلعــامــيــة والـثـقـافـيـة، مـجـسـدًا دولــتــه في رمــزيــة تـحـركـاتـه وانـتـقـائـه لوفده املرافق له. هــــبــــطــــت طــــــــائــــــــرة ولـــــي العهد في مصر الـ4 من مـــــارس .2018 وكسر الـــــــرئـــــــيـــــــس املــــــصــــــري عبدالفتاح السيسي الـــــبـــــروتـــــوكـــــول حــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــن سلمان للمملكة املـتـحـدة، وتـحـديـدا فعالية «مـسـك لندن» التي شـارك فيها أبـرز عنصر في القوة السعودية الناعمة وهــو اإلنـسـان الـسـعـودي. وكما يـقـال، فــإن أعظم ثــروة عند أي دولــة فـي العالم هـو إنسانها، إذ استثمرت السعودية فـي أبنائها وبناتها عبر برنامج االبتعاث قبل نحو 13 عامًا، وهـو ما دفـع «مسك» إلـى قطف ثمار هـذا االستثمار من خال تمكن الشباب وإبراز مواهبهم وتمكنهم العلمي وتحصيلهم املــعــرفــي. ويـعـلـق األســتــاذ الــزائــر فــي جامعة ليدز البريطانية، مستشار مدير جامعة أم القرى الدكتور استقبله فـي املــطــار، والــطــائــرات الحربية تحيط بطائرته امللكية، محتفية بـزيـارٍة رفيعٍة تستعيد ذاكــرة زيــارة جـده املؤسس وباني الــدولــة الـحـديـثـة املــلــك عـبـدالـعـزيـز بــن عـبـدالـرحـمـن آل ســعــود إلى القاهرة في ،1946 إذ أسست تلك الزيارة شراكة مصرية_ سعودية قـويـة، فكانت زيـــارة الحفيد مــجــددة لتلك، بـعـدة اتـفـاقـات وبرامج اشـتـمـلـت عــلــى مــجــاالت بـيـئـيـة واســتــثــمــاريــة وتــوحــيــد الــصــف في محاربة اإلرهاب، ونشر التسامح. وبابتسامته العريضة، صافح ولي العهد البابا تواضروس الثاني فــي الــكــاتــدرائــيــة املـرقـسـيـة بـالـعـبـاسـيـة، مــشــددًا عـلـى الـتـسـامـح بن األديـــان، وارتـكـاز الـدولـة السعودية على اإلســام املعتدل، إذ تعهد األمير الشاب في وقـت سابق بإعادة اإلســام إلى أصوله، وتنقيته من األيديولوجيا التي زرعها املتطرفون. وعلى نهج ملوك اململكة العربية السعودية، افتتح ولي العهد ترميم جامع األزهر الذي كان سبب ترميمه بمبادرة سعودية، فكبر األمير الـشـاب، وسجد لله، مصليًا فـي جامع األزهـــر، إذ تـصـدرت صورته الصحف السعودية واملصرية على حد سواء كون زيارته التاريخية حققت مرادها في القاهرة. وبيد بيضاء لــوح ولـي العهد مودعا جمهورية مصر، واتجه إلى عـاصـمـة الــضــبــاب «لـــنـــدن»، فــي زيـــــارٍة احـتـفـت بـهـا األســــرة املالكة البريطانية، وأحــدثــت ضجة كبيرة فــي األوســــاط اإلعــامــيــة. وألن األمــيــر الــشــاب يـؤمـن بـالـقـوى السياسية األخــــرى، خصوصًا القوة الناعمة، اصطحب معه الثقافة والفنون كي يتعرف البريطانيون على حقيقة اإلنسان السعودي، وعراقته من خـال الرسوم الفنية، واألفكار التحديثية التي تمثلت في األنغام املصاحبة، والرسومات الــتــي تــوســدت األعــمــال الـفـنـيـة، وكـــأن األمــيــر الــشــاب أراد أن يأتي بالسعودية كاملة متمثلة بوزراء وصحافين ومثقفن. وبترحاب كبير، جاء لقاء امللكة إليزابيث الثانية بولي العهد األمير محمد بــن سـلـمـان، إذ بــدت مـتـأنـقـة فــي قـصـر بـاكـنـغـهـام، فتناقلت الصحافة الـصـور كونها مـجـسـدة لـجـذور الـشـراكـة اإلستراتيجية بن البلدين منذ لقاء املؤسس امللك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود بالزعيم البريطاني تشرشل قبل نحو قرن من الزمان، إلى لقاء الحفيد األمير محمد بن سلمان بوريثة العرش البريطاني وابنها األمير تشارلز الـذي أقـام مأدبة عشاٍء لألمير السعودي الشاب. وكــــان لــقــاء األمــيــر الــشــاب بـرئـيـسـة وزراء بـريـطـانـيـا تيريزا ماي عامة فارقة، إذ وقع األمير الشاب اتفاقات في مجاالت تعليمية ومذكرة تعاون مشترك لألعمال اإلنسانية، إضافة إلى مذكرة تفاهم لتعزيز االستثمار بن قطاعي األعمال، كما أن هذه الجولة املكوكية أسفرت عن اتفاقات ثقافية واقتصادية كــبــيــرة، تـمـثـلـت فــي إيــجــاد فـــرص تــجــاريــة فــي قــطــاع الغاز، ودراسة متغيرات أسواق وسياسات الطاقة العاملية واملحلية، وإعداد برامج تطويرية في الهندسة الكيميائية وامليكانيكية وعـلـوم األرض والـنـفـط، إضـافـة إلــى تأسيس مـركـز ابتكار للمواد غير املعدنية، وتحقيق منتجات صناعية عالية القيمة بإنتاج كيميائيات تستخدم النفط الخام. كما منح ولي العهد نحو 32 رخصة استثمار أجنبية في السوق املحلية، منها 10 رخص استثمارية خال شهر مارس الجاري. واقتنص ولي العهد رمزية لقائه بكبير أساقفة كانتربيري، واطاعه على أحد أقدم املخطوطات للقرآن الكريم، إذ أكد اللقاء على أن األمير محمد بــن سـلـمـان لــن يـتـوانـى لحظة فــي تنفيذ خطته اإلصـاحـيـة والتصحيحية لـلـصـورة السعودية في الخارج، بل أثبت أنه يسير على خطى ثابتة نحو عنان السماء كما عبر عـن ذلــك فـي لقاءات إعامية سابقة. وبــاتــفــاقــات كـبـيـرة ألـجـمـت املـــحـــاوالت القطرية واإليـــرانـــيـــة املــعــاديــة لــوثــبــاتــه املــســتــمــرة، نجح األمـــيـــر الـــشـــاب بـجـعـل بــريــطــانــيــا تــتــحــدث إليه، وتبتهج بزيارته، إذ جاء بأجندة عمٍل واضحة، ال تنتمي إلى املراهقاتّ السياسية التي انتهجتها الدوحة وطهران، فقد أكدت الجولة التاريخية في عاصمة الضباب أن ولي العهد نجح في تعميق الشراكة اإلستراتيجية بن السعودية وبريطانيا بإبرام اتفاقات عديدة شملت االقتصاد والثقافة والــريــاضــة واألمــــن، إضــافــة إلــى تأصيل العاقة السعودية-البريطانية من خال القفز بباده إلى مصاف الــدول األولــى فـي العالم، ببناء اقتصاد يتخلص من إدمان النفط. عاء الغامدي بقوله: «إن مؤسسة مسك هي قوة ناعمة لم يمض على إنشائها الكثير لكنها أصبحت مصدرًا للفخر واالعتزاز، بل استطاعت في وقت قصير إبراز بعض وسائل القوة الناعمة السعودية التي تملك اململكة الكثير منها». وأشــــــار الـــغـــامـــدي إلــــى ذكـــــاء قـــيـــادة مــســك، إذ إن املشاهد والفاحص يـدرك محور اهتمامها والتي تـدور حـول رأس املــال البشري وكيفية تطويره وتنميته واالهتمام بـه، من خـــال الــدعــم والــرعــايــة فــي املــجــاالت املـخـتـلـفـة، والــتــي من أبرزها التعليم والثقافة واإلعام.