Okaz

العني وزايد

-

الـحـدثـان ذكــرانــي بقصة الطبيب البيطري األسـتـرال­ـي «ألـيـكـس تنسون Alex »Tinson الذي قضى نحو 30 عاما في صحراء اإلمارات يعالج إبلها ويفحصها طبيًا لخوض السباقات، ويرشد البدو القائمني على تربيتها. كل هذا والرجل غير متخصص في عالج اإلبل. أحسن تنسون صنعا حينما أخرج في العام املاضي كتابا تحت عنوان «بيطري الصحراء ‪»The Desert Vet‬ سـرد فيه قصة حياته، والـظـروف التي أتـت به من بالده البعيدة إلى قلب الشرق األوسط، وما رافق رحلته في مجاهل الصحراء مع اإلبل من تحديات ومفارقات، ناهيك عن العالقات التي كونها في اإلمارات على مدى السنوات الثالثني املاضية، وانطباعاته عن هذه البالد التي قال عنها ما مفاده: قلت إني سأجرب العمل في اإلمــارات لعامني فقط، وها قد مرت 30 سنة وأنا أقيم بها، مستمتعا بحياتها وإبلها. ونقول إنه أحسن صنعا ألن قصته صارت مرتبطة بقصة تحول اإلمـارات من مجتمع صـحـراوي إلـى مجتمع كوزموبوليت­يني حديث. لـذا فهو شاهد على عصر كامل من التحوالت النهضوية السريعة. يقول تنسون إنه لم يتطلع قط في بداية حياته لدراسة الطب البيطري، رغم أن البيطرة كانت جزءا من تقاليد عائلته. لكنه يعترف أنه في صغره كان مولعا برصد الطيور والحشرات والزواحف وصيدها، خصوصا أن منزل العائلة كان متاخما للبراري وقريبا من منتزه «كو رنغ كاي» الوطني حيث جداول املياه واألشجار التي تعيش فيها كائنات حية متنوعة. ويضيف أنه بسبب ذلك الولع قام تدريجيا بإنشاء حديقة حيوان خاصة به داخل منزله، ثم اطلع على الكثير من الكتب واألفالم في الستينات والسبعينات حول معاملة الحيوانات. كل هذه العوامل مجتمعة جعلته يتجه نحو دراســة الطب البيطري بجامعة ملبورن بعد الثانوية. بعد تخرجه من الجامعة ظل يبحث عن عمل، فحصل على وظيفة طبيب بيطري في منتزه «باكوس مارش» لسفاري األسود، وبالتزامن حصل على عمل إضافي في عيادة بيطرية كانت بحاجة لشاب بيطري يعمل لديها يومني أو ثالثة في اإلسبوع. وهكذا صار تنسون يتعامل تارة مع حيوانات البراري الكاسرة، وتارة مع الحيوانات املنزلية األليفة. هاتان الوظيفتان وضعتاه في حـاالت عديدة أمام بعض التحديات التي تجاوزها عبر ابتكار حلول غير دارجة. يطلب الحديث معه، مقدما نفسه كممثل للعائلة الحاكمة في إمـارة أبوظبي، وعــارضــا عليه السفر إلــى اإلمـــارا­ت إلنـشـاء مستشفى لـإلبـل هـنـاك. كــان حامل العرض هو األسترالي «هيث هارس» الذي عرفه مواطنوه كأسطورة في عالم تـدريـب الخيول األسترالية، وكــان وقتها يعمل فـي تـدريـب خيول السباق في اإلمارات. بطبيعة الــحــال، لــم يـــرد الــرجــل عـلـى الــعــرض فـــورا ألنـــه كـــان بـحـاجـة لبعض الوقت للتفكير في وضع زوجته الطبيبة وأطفاله الصغار وعمله في العيادة البيطرية، ناهيك عن جمع املعلومات الجغرافية واملناخية واالجتماعي­ة عن البالد التي سيعمل بها. حدث هذا رغم أن تنسون كان تواقا، بحسب اعترافه، للسفر إلــى خــارج أستراليا؛ ألنــه لـم يسبق أن غــادرهــا، بـل لـم يكن يملك حتى حقيبة سفر، وكــان كثيرا مـا يــردد مقولة املمثل الكوميدي األسـتـرال­ـي «باري همفريز»: «إن العيش في أستراليا طوال العمر يشبه الذهاب إلى حفلة وقضاء الليل كله في املطبخ». املرقد على فرشة أرز مزينة بحبات الزبيب ولب الصنوبر». بعد قضائه 3 أيام مع زميله دون عمل تم استدعاؤهما للسفر إلى مقر عملهما في واحة العني، فتحركا إلى هناك بسرعة عبر «طريق حديث اإلنشاء والتعبيد، مخترقني الصحراء بسيارة بي إم دبليو كبيرة مكيفة». في العني سكنا في فندق الهلتون، أحد فندقني وحيدين بها آنذاك، ثم اجتمعا بأحد املسؤولني ليضعهما في صـورة املطلوب منهما طبقا لرؤية رئيس دولـة اإلمــارات العربية املتحدة الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان الذي كان ــ وقتذاك ــ وليا لعهد أبوظبي. اختصر تنسون املهمة املوكلة إليه وإلى زميله في كلمات قليلة فكتب: «املهمة كـانـت واضــحــة. كــان علينا رفــع مستوى إبــل ولــي العهد لتصبح قـــادرة على التغلب على إبل أي دولة خليجية». ويعلل ذلك بأن ولي العهد أراد ألبو ظبي أن تستخدم أفضل األساليب العاملية والعلوم الغربية إلحداث ثورة في سباقات اإلبل الخليجية. وعلى حني كانت أفواج الوافدين األجانب تعمل في بناء املدارس واملستشفيا­ت والطرق واملوانئ ومحطات تحلية املياه واإلمـدادا­ت الكهربائية وغير ذلك من املشاريع الهادفة إلى نقل املجتمع من البداوة إلى الحداثة واملعاصرة، كانت مهمة األسـتـرال­ـيـني مختلفة تمامًا الرتباطها بـاإلبـل الـتـي قــال تنسون عنها: «تعتبر من الخصوصيات وهي مرتبطة جذريا بالتاريخ. فشأنها شأن الصقور التي استخدمها اإلماراتيو­ن في الصيد، كانت اإلبل عبر مئات السنني ضرورية للغاية للعيش في الصحراء. كانت تستخدم إبان الحروب ولجمع الطعام ولنقل العائالت من مستوطنة إلـى أخــرى. وكانت اإلبــل تعتبر قلب وروح ما يعنيه اإلنسان اإلماراتي». خصص تنسون الفصل الـخـامـس مـن كتابه للحديث عـن املـديـنـة الـتـي عاش وعمل بها وهــي العني التي - مـن محاسن الـصـدف - أن التقى فيها شخصيا بعميد البيطريني «ديفيد تايلور» الــذي كانت أبوظبي قد عينته في وظيفة كبير املستشارين املكلفني بتطوير حديقة العني للحيوانات وتحويلها إلى أفضل حديقة حيوان في الشرق األوسط. لقد اختصر الرجل وصف العني بقوله: «بلد على حواف املعمورة حيث تعيش وفق ضوابط الصحراء التقليدية بدال من النمط الهجني في املدن الكبيرة»، قاصدا بذلك أنها لم تكن ــ آنذاك ــ خاضعة للمعايير الـسـائـدة فــي مــدن أخـــرى مـثـل دبــي وأبـوظـبـي لجهة أنــمــاط الحياة والعالقات االجتماعية وسبل الترفيه.

 ??  ?? بيطري الصحراء خالل استراحة عمل مع زمالئه اإلماراتيي­ن.
بيطري الصحراء خالل استراحة عمل مع زمالئه اإلماراتيي­ن.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia