Okaz

منافسة البدو في اإلبل

-

ويعترف تنسون أن مهمته كانت صعبة ألن البدوي قد يتقبل فكرة قـدوم غربي لبناء مــدرج للطائرات مثال، لكن مـن الصعب أال تنتابه الشكوك مـن غربي جاء ليتدخل في معارفه الفطرية حول الحيوان الذي تعايش معه عبر القرون، ويفرض عليه أساليب جديدة تتعارض مع أساليبه التقليدية في العالج والوالدة وغيرها. كما يعترف الرجل أن معلوماته حـول اإلبـل العربية كانت متواضعة جـدا ألنها مختلفة تماما عن اإلبل األسترالية األكبر حجما واألثقل وزنا واألكثر قدرة على نقل األحمال الضخمة، ناهيك عن وجود فرق آخر هو عدم تعرض اإلبل األسترالية إلى التكاثر االنتقائي، في حني أن البدو العرب يزاوجون إبلهم بحثا عن السرعة والـقـوة وقــدرة التحمل. ولعل مما فاقم صعوبة عمل تنسون وفريقه اإلسترالي الصغير عدم وجود لغة تخاطب وحـوار مشتركة بينهم وبني بدو الصحراء، بل افتقار الفريق إلى كادر ومعدات وعيادة خاصة ومختبرات مزودة بأجهزة تتيح تحليل عينات الدم املسحوبة من اإلبل بهدف وضع قاعدة بيانات فسيولوجية. غير أنه رغم كل العقبات تمكن تنسون وفريقه من تحقيق بعض األشياء املفيدة التي استحسنها ساسة اإلبل البدو فقربت املسافات بني الطرفني. إذ طبقوا على اإلبــل بعض املــبــاد­ئ املستخدمة فـي تـدريـب الخيول مثل الــخــروج مـع اإلبــل إلى املضمار مع ساعة توقيت، واسخدام املجس الكهربائي املستخدم مع األبقار لجعل اإلبــل تعجل في االصطفاف للبدء في التدريب، ونقل األبـقـار واقفة مثلما تنقل الخيول وتصميم أقنعة خاصة لإلبل مرتبطة بأجهزة لقياس مدى استنشاقها لألوكسجني. على أن الهدف األسمى كان ال يزال بعيدا. إذ كان معيار النجاح هو بلوغ ما بلغته دبي لجهة أعداد اإلبل وحصد جوائز السباقات. وفي هذا السياق كتب تنسون ما مفاده أن عيونهم كانت تراقب دبي ونجل حاكمها آنـذاك الشيخ محمد بن راشـد آل مكتوم الـذي كان وقتها أكبر مالك للخيول وأكبر مالك لإلبل في العالم وكانت منشآته على أعلى املواصفات العاملية وكان يدرب جماله العشرة آالف خيرة املدربني العرب. في هذا الوقت كان آخرون يعملون على قدم وساق لالنتهاء من تشييد ما سيعرف بــ «املـركـز العلمي إلبــل الـسـبـاقـ­ات». وفــي هــذا الـوقـت أيضا طــرح العبقري «هيث هـــارس» الـــذي كـانـت تخطر لــه أفــكــار جنونية جـريـئـة أكـثـر مــن أي شـخـص آخر، تجربة نقل األجـنـة مـن أجــل زيــادة التناسل وتشكيل قطيع ضخم مـن اإلبــل، مع مراعاة التركيز على املـزاوجـة بني أفضل املتوفر من الذكور واإلنــاث. لكن تنفيذ الفكرة لم يكن سهال لحاجته إلى دقة ومهارة ومعدات متطورة، فالعملية تتطلب -حسب تنسون - «أوال حقن األنثى بعقاقير هرمونية لتحفيز تكوين البويضات، واســتــخـ­ـدام املــراقــ­بــة بــاملــوج­ــات الــصــوتـ­ـيــة لـتـتـبـع الــنــتــ­ائــج ورصــــد عـــدد أكياس البويضات املنتجة وتحديد الوقت املثالي إلجــراء الــتــزاو­ج». ويضيف: «بعد أن يتم تلقيح البويضات يتم سحب األجنة من األنثى ويتم عزلها وتنظيفها قبل زرعها في نوق أخرى». كان تنسون عازما على تنفيذ الفكرة وإنجاحها رغم أن النظرية التي يعرفها عن نقل األجنة في حاالت اإلنسان والخيول واملواشي قد ال تنطبق على الجمال، بل سافر شخصيا وسط تكتم شديد إلى أستراليا لالستعانة بجهود وخبرة العالم البيطري «آنغيس ماكينون»، فقاما معًا بـإجـراء تـجـارب على اإلبــل األسترالية، كانت لحسن الحظ موفقة. ولذلك كان عليه أن يعود إلى العني بصحبة قطيع من اإلبل األسترالية إلجراء عمليات نقل األجنة، فألقى بمهمة جمع القطيع وتجهيزه للنقل إلى اإلمارات جوا على كاهل صديقه القديم «بادي مكهيو». من ثمار االختراق العلمي لتنسون وفريقه ميالد الناقة «بنت سمحة» التي بلغت قيمتها عند والدتها، أي قبل عقدين من الزمن، أكثر من مليون دوالر، بل إن األيام التالية لوالدتها شهدت والدة 5 مواليد أخرى أتت كلها من بويضات «السمحة» امللقحة التي نقلها تنسون إلى حاضنات بديالت. الحقًا أدرك تنسون أن منافسه الرئيسي لم يكن في دبي، وإنما في السعودية حيث كان يوجد أجمل الجمال من تلك التي يـدفع فيها أضعاف أضعاف جوائز اإلبل املتسابقة من الطراز األول ألن امتالكها يعتبر مصدر فخر ملالكها. فعمل املستحيل لجلب بعضها إلـى اإلمــارات من أجـل تطبيق تجاربه عليها ونجح وصــار محل تقدير من أرباب عمله.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia