Okaz

الفوضى في تعز

- مصطفى النعمان كاتب يمني وسفير سابق mustapha.noman@gmail.com

تــمــثــل مــحــافــ­ظــة تــعــز ثــقــال ســكــانــ­يــا بنسبة مرتفعة من املتعلمني ورجال األعمال واملثقفني واملهنيني واملـزارعـ­ني وقلة من حملة السالح، وتصبح القوة املتحكمة في توجهاتها املحلية مؤثرة في مسارات الحكم في صنعاء رغم ابتعاد سكانها حتى بدايات 201٥ عـن استخدام العنف لحسم نقاشات نخبها، ولكن هذا املزاج السياسي في الخالف تحول إلى حالة دامية غير مسبوقة توجهت في البداية إلى القوات املناصرة للحوثيني والرئيس السابق علي عبدالله صالح، وانتهى األمــر إلى حــالــة فــوضــى عــارمــة ال تستطيع أي قـــوة فـيـهـا السيطرة عـلـى مـجـريـاتـ­هـا، ورغـــم املـــحـــ­اوالت الـكـثـيـر­ة لــفــرض األمن واالستقرار إال أنها جميعا باءت بالفشل بسبب النزاعات حول الزعامة املحلية بني كثير من قياداتها التي صار هم عدد منهم الحصول على مكاسب مادية فقط. بـعـد أيـــام مــن اغــتــيــ­ال الــرئــيـ­ـس أحــمــد الـغـشـمـي فــي مكتبه بصنعاء بحقيبة مفخخة حملها مبعوث جنوبي، خرجت من تعز أول مسيرات التأييد النتخاب الرئيس السابق علي عبدالله صالح الـذي كان وقتها قائدا عسكريا للمحافظة حـني قـام مجلس الشعب التأسيسي بانتخابه فـي ظروف استثنائية سبقها مقتل ثـالثـة رؤســـاء (إبـراهـيـم الحمدي في 11 أكتوبر 1977 وخلفه أحمد الغشمي في ٤2 يونيو ،1978 وسالم ربيع علي في 26 يونيو )1978 وبقى في موقعه حـتـى12 فبراير 2012 حـني قــدم استقالته وخلفه نائبه (الـرئـيـس الـحـالـي) عبد ربــه منصور هـــادي، وظلت تعز خالل حكم صالح تحت تأثيره املباشر وبواسطة عدد من كبارها الذين منحهم ثقته فأعانوه على إبقاء قاعدته الشعبية عبر املؤتمر الشعبي العام بالحصول على أغلبية مقاعد مجلس النواب واملجالس املحلية. كانت الساحة السياسية بتعز في أغلبيتها منقسمة بني املؤتمر الشعبي العام وحزب اإلصالح وإلى جوارهما عدد من األحزاب اليسارية وأخرى تم تفريخها وال تمثل أي ثقل حقيقي سوى عالقات اجتماعية وشخصية، وظلت األوضاع تحت السيطرة إلى أن خرج الشباب عشية استقالة الرئيس مبارك في 11 فبراير م2011 فانقسمت املحافظة إلى قسمني مؤيد ومعارض، وسارت األمور في املنطقة بصورة هادئة وإن شابها توتر متصاعد، وبقيت الخالفات في إطارها املعروف عبر املواقع اإلعالمية وتراشق االتهامات، إلى أن دخلت البالد كلها ساحة حرب شاملة وانقسمت معها تعز إلـى مربعات متناهية الصغر تتبادل السيطرة عليها ما صار يعرف بـ«املقاومة» التي رفعت شعارات إخراج قوات «الحوثيني وصــالــح»، فتحولت إلــى مدينة أشـبـاح وصار ريفها مواقع حربية وانقطعت الطرقات وأغلقت املدارس واملستشفيا­ت وانهارت كل الخدمات األساسية، ولم تنجح كــل مــحــاوال­ت إحـــالل الــهــدوء بسبب الـتـنـافـ­س املـحـلـي من ناحية واملصالح املالية التي تضخمت جراء انعدام املواد الغذائية واملشتقات النفطية وإغالق املستشفيات. أفقدت الحرب قيمة تعز املدنية والثقافية ودمــرت البنى االجــتــم­ــاعــيــة ومــزقــت نـسـيـجـهـ­ا املــحــلـ­ـي، وصــــار الحديث عنها جالبا لألحزان واملخاوف من املستقبل ومعه مناظر تذكرنا بما حـدث فـي مـدن عربية أخــرى دمرتها األحقاد والكراهية، ورغم كل هذا استثمر عدد من قياداتها الحزبية ونفر من شخصياتها السياسية كل هـذه الـكـوارث لجني املكاسب املادية وتعطيل أي مساع لوقف الحرب داخلها بل عمدوا إلى إطالتها واالستفادة من ذلك، ولعل املأزق الذي سيواجهه محافظها الجديد الدكتور أمني أحمد محمود هــو كـيـفـيـة الــتــعــ­امــل مــع تــجــار الـــحـــر­وب وبــعــض قيادات األحـــــز­اب الــذيــن يـضـخـمـون تـضـحـيـات عــنــاصــ­رهــم حتى يبدأوا في جني الحصاد وتثبيت مواقعهم في مؤسسات الدولة. إن ما جرى خالل األيام املاضية في تعز من عبث سياسي داخل املؤتمر الشعبي العام واإلعالن عن قيادة جديدة له في مخالفة صريحة للوائحه املنظمة ملثل هذه اإلجراءات بل والسعي لتثبيت شخص على رأسه رغم أنه انتقل إلى حزب اإلصالح في 2011 فجرى فصله بعدها من املؤتمر، وهــو نـمـوذج فاضح ملـحـاوالت تفتيت كـل الـقـوى املنظمة وهـو مؤشر ملا سيواجهه املحافظ الجديد، وعليه البقاء بـعـيـدا عــن صــراعــات األحــــزا­ب والـجـمـاع­ـات املـسـلـحـ­ة، وقد يــســاعــ­ده عـــدم انـتـمـائـ­ه ألي فـصـيـل ســيــاســ­ي، وكـــذا مكانة أسرته االجتماعية للحفاظ على تـوازنـه، ولكنه في نفس الوقت يحتاج إلى دعم حقيقي مـادي وشعبي، وقبل ذلك إرادة حـكـومـيـة أشـــك فــي وجــودهــا ملـسـاعـدت­ـه فــي مهمته الصعبة.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia