هذه املرة لن تتردد بريطانيا..!
ما أشبه الليلة بالبارحة، ففي مايو عام 1932 أرسل امللك املؤسس العظيم عبدالعزيز آل سعود، يرحمه الله، ابنه الشاب وقتها املمتلئ وضــاءة وهيبة امللك فيصل، يرحمه الله، على رأس وفـد كبير إلى بريطانيا يعرض فيه على الحكومة البريطانية فكرة االستثمار في مجال استكشاف النفط وفي يد أحد أملع مستشاريه «فــؤاد حمزة» تقرير ملهندس التعدين األمريكي كارل تويتشل يتحدث عن إمكانية وجـود مـوارد معدنية ونفطية على األرض املترامية األطــراف التي وحدها أسد الجزيرة امللك عبدالعزيز بعد رحلة كفاح امتدت ألكثر من 20 عامًا وقتها تمنع البريطانيون ورفضوا دعوة امللك عبدالعزيز للتنقيب واالسـتـثـمـار، وبحسب الـوثـائـق البريطانية فــإن املسؤول البريطاني السير أولـيـفـانـت اعتبر أن الـقـيـام بـذلـك مـغـامـرة مالية ال يشجع عليها، وأن الشركات البريطانية ليس لديها االستعداد «إلهدار املال في دولة غير معروفة جيدًا في الوقت الحاضر». قد ال يحب املسؤولون اإلنجليز تذكر هذه الحادثة بصفتها الفرصة الــكــبــرى الــتــي ضــيــعــوهــا، خــصــوصــًا أن املــلــك الــداهــيــة عبدالعزيز استطاع أن يوجد بديال غير متوقع وقتها حتى لإلنجليز أنفسهم عندما منح االمتياز للتنقيب عن النفط للشركة األمريكية ستاندارد أويــل أوف كاليفورنيا «أرامــكــو فيما بعد» التي نجحت بعد عدة مـحـاوالت في اكتشاف النفط بكميات تجارية عـام 1938 لتصبح بعدها «أرامكو السعودية» أعظم شركة نفطية على وجه األرض. واليوم وبعد مضي ٥8 عامًا على تلك املحادثات، يرسل ملك الحزم والــعــزم املـلـك سلمان بـن عبدالعزيز، حفظه الـلـه، ابـنـه وولــي عهده األميرالشاب محمد بـن سلمان املمتلئ مهابة وحيوية وهمة إلى بريطانيا ليس ملنحها حق امتياز حصري، بل ألن تكون شركاتها جزءًا من برنامج كبير تعمل عليه السعودية القادمة لبناء الشراكات اإلستراتيجية مع الشرق والغرب ونقل التقنية األحــدث في العالم إليها ضمن أهداف رؤية اململكة 2030 التي ستتحول فيها اململكة بإذن الله إلى نمر اقتصادي ال ترتهن مداخيله لتذبذب أسعار النفط صعودًا أو هبوطًا.. اإلنجليز الذين ارتكبوا خطأ فادحًا عام 1932 ـــ وهم في العادة ال تخطئ حساباتهم ـــ لم تنقطع عالقتهم على كل األصعدة باململكة والعكس صحيح، بـل كـانـوا فـي املرتبة الثانية فـي االستثمار في السعودية، لكنهم هذه املرة أشد حرصًا وأقل ترددًا وأكثر توددًا في أن ينخرطوا مع السعوديني في بناء سعودية أكثر قوة لدولة هي حاليًا أحد أكثر القوى تأثيرًا في السياسة العاملية. والسعوديون بدورهم لم يعودوا كما كانوا في البدايات، فقد تحققت كثير مـن أحــالم امللك عبدالعزيز وكــان شـاهـدًا وصانعًا لها الرجل التاريخي للمرحلة الراهنة ابنه امللك سلمان، حفظه الله، الذي خبر الدولة السعودية الثالثة وحفظ تاريخ الدولتني األولى والثانية ثم نثر كنانة آل سعود أمامه واختار منها محمدًا ذلـك األمير الهمام الـــذي يصنع سـعـوديـة شـابـة ال تكتفي بــأن تـكـون فــي دور الزبون والعميل املشتري دائمًا، بل هي تريد شراكة من نوع آخر تكون هي ومن يريد أن ينخرط معها معًا في دور البائع واملشتري، وكما لم يـأبـه املـلـك عبدالعزيز بتمنع اإلنجليز وقتها والــدولــة فـي مرحلة التأسيس، فإن حفيده األكثر شبها به األمير محمد بن سلمان لديه ألف باب وجواب لنقل السعودية ألن تكون الدولة الرائدة التي تمنح الفرص والنماء لشعبها وملـن أراد أن ينخرط معها في مشروعها الكبير.