احترم نفسك
أخيرًا تم تطبيق الضبط اآللي في عدد مــن املــــدن الــكــبــرى ملــخــالــفــات استخدام الــجــوال باليد وعــدم ربــط حــزام األمان للسائق والـــراكـــب، وتنفيذ الــغــرامــة املــالــيــة، بـعـد أن أثـبـتـت إحـصـائـيـات الــواقــع والـــدراســـات املــروريــة أن استخدام الهاتف أثناء القيادة سبب رئيسي ملعظم حــوادث السيارات التي يجلب حسرة ال ينفع معها نــــدم وال تــفــيــد دروســـهـــا عــبــرة وعــظــة إال للعقالء، وكـذا عدم ربط حـزام األمـان ويعد مخالفة أصال في أنظمة املرور، لكن عدم جدية الرصد واملعاقبة أغرى الكثيرين بإهماله، إال من يحترم نفسه. واآلن وقد بدأ رصد املخالفات آليًا فاألمر اختلف سـواء للغافل أو من اعتاد تجاهل التعليمات إال عندما يلتقط بعدسة عينيه رجـل مــرور أو حملة فيسحب الـحـزام بسرعة البرق، وتلك هي أم املشاكل في السلوك. األصل في كل شيء مخافة الله، وبها يسلم اإلنسان مــن اآلثــــام ومـــن شـــرور نـفـسـه، وتـتـجـلـى فــي األمانة وإخالص السريرة والعالنية، وهي أيضا في احترام األنـظـمـة والتعليمات الـتـي وجـــدت لتنظيم الحياة والواجبات والحقوق وتحفظ الفرد واآلخرين، فكم مـن حــوادث أزهـقـت أرواحـــا وخلفت إصـابـات دائمة لـلـسـائـق ومـــن مــعــه، وكـــم مــن ضــحــايــا دفــعــوا ثمنا باهظا لرعونة وأخطاء الغير. العلة الحقيقية تكمن في علو (األنــا) عند البعض، وفي هذا حدث وال حرج في سلوكيات كثيرة، بتجاوز التعليمات وحق الطريق وفي أحقية الخدمات وفي املعامالت وطوابير املراجعني قبل أن تنظمها األرقام، فاالنضباط يعني على الخير ويحفظ الحقوق، عكس الوساطات املتجاوزة التي تضيعها، إال من شفاعة محمودة تغرس روح التسامح عن رضا ومثوبة. إهمال تطبيق العقوبات يشجع على إســاءة األدب بل والتمادي فيه تجاه األنظمة، ممن يظنون أنهم فوقها وال يدركون حقًا أن احترام النفس أوال شيء عظيم وثقافة حضارية في التفكير ومن ثم السلوك، ولكن كيف لهذه الثقافة أن تتغلغل في عمق املجتمع وهو نفسه ال يهتم تلقائيا بذلك، وعالج هذه العلل يـتـطـلـب إيـــجـــاد وســـائـــل دقــيــقــة لــرصــد املخالفات، وتطبيق العقوبات بحزم، وهذا ما تفعله دول كثيرة ال تــســن قــانــونــا دون أن تـصـاحـبـه آلــيــات التنفيذ ومتابعة التطبيق ومن ثم ضمان انضباط السلوك العام.. هم يفعلون ذلك ونحن عندما نسافر إلى تلك الــبــالد ونــقــود ســيــارات فــي شــوارعــهــا أو معامالت وخدمات نحرص على االلتزام التام، أما في بالدنا فــاألمــر عـلـى الـنـقـيـض حـتـى مــن الــتــزم فــي الخارج ربما ال يفعل ذلك شعورا منه بأن حقوقه تضيع من اآلخرين. األنــظــمــة تــجــلــب فـــوضـــى، وبــالــتــالــي تــضــعــف روح االنضباط وتخل الـتـوازن بني الحقوق والواجبات، وعندما تصبح ظاهرة تتغير قناعات البعض حتى من بعض امللتزمني ألنهم ببساطة يجدون أنفسهم الحلقة األضعف في منظومة التعامل والسلوكيات، ولـنـنـظـر إلــى الــطــرق الـسـريـعـة نـجـد الـبـعـض يعرف موقع كاميرات السرعة فيخففها وربما يعطي إشارة لآلخرين، ثـم يفلت جماح سرعته والـتـجـاوز يمينا ويــســارا مــهــددا ســالمــة الــغــيــر. ولـنـنـظـر داخـــل املدن كيف ضبطت كاميرات اإلشارات السرعة واالنعطاف والــــدوران، وكيف تــردع الغرامة املوجعة املخالفني، فهل نحن دائــمــا بحاجة إلــى مـراقـبـة االلــتــزام حتى نطمئن أن مجتمعنا منضبط ولــو كــره املتسيبون واملتهورون؟! االنضباط ثقافة جميلة يجيدها املحترمون، وتحتاج إلى غرسها ونشرها في الحياة كـآداب عامة في كل شيء حتى تجاه املحافظة على النظافة العامة وفي ثقافة االنضباط وعي وطني يصون حقوق الجميع، وفـي تطبيق األنظمة احـتـرام للناس وللنفس أوال، صاحبتكم السالمة.