Okaz

احتمال نشوب حرب عاملية نووية مدمرة

- د. صدقة يحيى فاضل sfadil50@hotmail.com

قـبـل ثــالث ســنــوات، كـتـب الــدكــتـ­ـور هـنـري كيسنجر، أســتــاذ العالقات الدولية ووزير الخارجية األمريكي األسبق الشهير، مقاال، لقي صدى واسـعـا فـي األوســـاط السياسية واإلعـالمـ­يـة العربية والعاملية، يجدر التوقف عند بعض مضامينه، لصدوره من هذا األكاديمي والسياسي، الذى صال وجال كثيرا في فضاء السياسة العاملية واإلقليمية والعربية في فترة السبعينات من القرن املاضي، وكانت له ملسات وتأثيرات واسعة على مجريات األحداث، في ذلك الحن وما تاله. طـغـى الـشـعـور الـصـهـيـو­نـي اإلمــبــر­يــالــي الـعـسـكـر­ي عـلـى رؤيـــة كيسنجر وتحليله لـــألحـــ­داث، خــاصــة تـلـك املـتـعـلـ­قـة بـاملـنـطـ­قـة الــعــربـ­ـيــة. فـقـد كـتـب نـاصـحـا املسؤولن األمريكين بما ينبغي عليهم أن يعملوه تجاه روسيا والـصـن، والـشـرق األوسط بعامة، مضمنا ذلك فكرا رغبويا واضحا، يتجلى في تحليله اإلرشادي، وتوصياته التي تعبر عن ميوله، وليس بالضرورة عن ما هو كائن من حقائق على األرض. وبسبب املستجدات األخيرة في صنع األسلحة الصاروخية الباليستية، واختراع صواريخ قادرة على اختراق الدفاعات الجوية واألرضية (الصاروخ الروسي 28-RS مثاال) يجدر بنا أن نناقش باختصار في ما يلي فكرته عن: احتمال نشوب الحرب العاملية الثالثة القريب جدا (طبول الحرب تدق) ومسألتي انتصار أمريكا وإسرائيل الساحق في هذه الحرب – كما تنبأ. كما أننى أكتب هذا املقال، والذى يليه، استكماال ملا كتبه أخي وصديقي الدكتور طالل بنان، بعنوان: نذر الحرب النووية («عكاظ»: العدد ‪3 /6 ،18819‬ / ،2018 ص .)17 *** بالنسبة الحتمال اندالع الحرب العاملية الثالثة، وهى حرب ال بد أن تكون نووية: فإن هذا االحتمال وارد دائما... ووارد جدا اآلن. ولكن، ال توجد – حتى تاريخه – بوادر تؤكد قرب نشوب هذه الحرب، بما في ذلك ما يجري حاليا على الساحة السياسية ملنطقة الشرق األوسـط. ربما لو حصل تصعيد كبير في هذه املنطقة بالذات، فإنه سيشعل (ال سمح الله) هـذه الــحــرب... على غــرار الـشـرارة التي أدت النــدالع الحرب العاملية الثانية عام ،1939 التي تمثلت في هجوم أملانيا على بولندا. وباعتبار ما لـدى أطــراف هـذه الحرب املحتملة من أسلحة دمـار شامل، وبخاصة السالح النووي، فإن الحرب العاملية الثالثة غالبا ما ستنتهي بتدمير كل العالم، أو معظمه. فما لدى أمريكا وروسيا فقط من السالح النووي يمكن أن يدمر العالم ككل، بما يعادل 6 مـرات، وليس مرة واحــدة...؟! وبذلك، يصعب تصور إقـدام قـادة الدول املعنية على خوض حرب فناء مجنونة... ال تبقي وال تذر.

*** وبالنسبة لـ «انتصار أمريكا» (كما تنبأ): صحيح أن أمريكا ليست فقط قوة عظمى ‪)Super Power(‬ وحسب، بل يمكن اآلن اعتبارها قـوة هائلة ‪.)Hyper Power(‬ فهي تمتلك من األسلحة أفتكها، وأشدها دقة وتدميرا. ولكن أمريكا تواجه طرفا يمتلك ترسانة هائلة من أسلحة الدمار الشامل، وخاصة النووية... كما أن لدى هذا الطرف (روسـيـا / الصن) إمكانية توجيه «الضربة الثانية» ‪)Second Strike(‬ أي القدرة الجبارة على امتصاص الضربات األولـى (املبادرة) من الخصم، وتوجيه ضربات رد فعل ضده. وهذا يعنى أن أمريكا ستتعرض أيضا لدمار شامل، ولن تنجو هي األخـرى من التدمير التام، أو شبه التام. وإن نجا جزء من أمريكا، فإن وقوفه على قدميه، وتمكنه من «قيادة العالم الجديد»، سيستغرق عقودا طويلة. وهناك مناطق (دول) من العالم قد ال يصيبها دمار شامل، من حرب عاملية ثالثة شاملة التدمير... قد يكون منها: أستراليا، وبعض بالد أمريكا الجنوبية، وأفريقيا، الـتـي قــد تجد نفسها فـجـأة وقــد نجت جـزئـيـا، أو كليا. وربــمــا تصبح هــي القوى الدولية الجديدة... باعتبار عدم وجود أقوى منها، بعد تلك الحرب...؟! واستحداث صواريخ عابرة للقارات وقادرة على اختراق الدروع الدفاعية قد يغري بشن هجمات نووية من هذا الطرف أو ذاك. األمر الذي يجعل قيام حرب نووية أكثر احتماال. ولكن امتالك القوى النووية الكبرى إلمكانية توجيه «الضربة الثانية» سيظل رادعا قويا لهذه القوى عن اإلقدام على هكذا مخاطرة.

*** وادعى كيسنجر في مقاله ذاك أيضا، احتمال «استيالء إسرائيل على نصف الشرق األوسط»: وادعاؤه هذا مبالغة كيسنجرية – في رأيي، نابعة من صهيونيته، ودعمه إلسرائيل. هو يرى أن إسرائيل ستهاجم العرب و«تقتل منهم أكبر عدد ممكن». ثم تستولي على نحو «نصف منطقة الشرق األوســـط»... متناسيا أن إسرائيل عبارة عن جيش لديه دولة، ال دولة لديها جيش. وهذا الجيش يمتلك ترسانة كبيرة من األسلحة النووية (نحو 300 رأس) وغيرها من سـالح الـدمـار الشامل. ولـذلـك، فإن االنتصار العسكري املؤقت والعابر إلسرائيل على األرض أمـر متوقع. ولكن هذه اإلســرائـ­ـيــل ليست ســوى كــيــان كــريــه عــابــر. إذ يـتـوقـع أن تـهـاجـم الـشـعـوب العربية واإلســالم­ــيــة املتبقية الــكــيــ­ان الـصـهـيـو­نـي ملــا يـرتـكـبـه مــن جــرائــم يــنــدى لـهـا جبن اإلنسانية، ضد الفلسطينين، والعرب. ومـعـروف أن هـذه الشعوب تحمل غبنا دفينا تجاه إسرائيل. ولــوال االحتياطات األمـنـيـة الــتــي تــحــاط بـهـا إســرائــي­ــل مـنـذ قـيـامـهـا، النــدفــع نـحـوهـا اآلالف رغــبــة في االقـتـصـا­ص، وانـتـقـام­ـا لضحايا الــعــدوا­ن الصهيوني. وهــذه الــحــرب، إن اندلعت، ستتيح مهاجمة إسرائيل، كما لم تتجه من قبل. ولن تهنأ إسرائيل – كما يتوقع – بأي نصر عسكري طارئ. فقد تعني حرب كهذه نهاية الكيان الصهيوني العدواني املصطنع، بعيد انتهاء هذه الحرب. الشاهد، يصعب تصور انـدالع حرب عاملية ثالثة في املدى القريب، طاملا أن هناك تطورات تقنية متماثلة ومتزامنة في مجال صناعة األسلحة اإلستراتيج­ية لدى القوى النووية الكبرى. ولو قامت هذه الحرب فإنها غالبا ما ستكون نووية، وتعني تدمير كل أطرافها املباشرين تدميرا هائال. ولن تكون حرب كهذه فرصة إلسرائيل لتتوسع، وتهيمن أكثر. إسرائيل ال يمكن أن تسيطر على املنطقة أكثر إال بالوسيلة السياسية املتمثلة في سعيها الدؤوب لتجزئة وإضعاف دولها أكثر.

 ??  ??
 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia