Okaz

عندما تهب العاصفة

-

تـقـول الحكاية املـعـبـرة: كــان ألحــد األثــريــ­اء مـزرعـة على الـشـاطـئ، وفي أحد األيام أعلن عن حاجته لعامل يشرف عليها، فتقدم للوظيفة أربعة أشخاص فقط، أما البقية فكانوا يخشون من تلك األمواج العاتية التي تأتي فجأة من عرض البحر فتعصف باملباني واملحاصيل، وقد كان من بني املتقدمني شاب قصير ونحيف، حني اقترب منه املالك سأله: هل أنت جيد في أعمال الزراعة!؟، فأجابه الشاب بكل ثقة: نعم.. فأنا الذي ينام عندما تهب العاصفة!؟ طبعًا تم استبعاد الـشـاب، وتـم تعيني أحـد املتقدمني، لكن املالك طرده بعد أن سطا الـلـصـوص على املــزرعــ­ة وســرقــوه­ــا، ثــم عــني الـثـانـي لكنه لقي مصرعه عندما هبت العاصفة وسقطت عليه األلواح والهناقر، أما الثالث فلم يستمر طويال خوفًا من نفس املصير، حينها تملك اليأس قلب املالك وقال ملاذا ال أجرب ذلك الشاب، وبالفعل استدعاه وبدأ يعمل جـاهـدًا باملزرعة مـن بــزوغ الشمس حتى الــغــروب، وفــي إحــدى الليالي سمع املالك دوي الرياح فقفز منزعجًا من فراشه وحمل املصباح واندفع بسرعة إلى الحجرة التي ينام فيها الشاب، ثمِّ راح

يهزه ويصرخ فيه بصوت عال «استيقظ: فهناك عاصفة آتية، قم ثبت كل شيء واربطه قبل أن تطيره الرياح»!! استيقظ الشاب منزعجًا وقــال له بحزم: «ال يا سيدي فقد سبق وقلت لك أنا الذي ينام عندما تهب العاصفة»، هنا أصاب املالك غضب شديد وعزم على طرده في الصباح، لكن عليه اآلن أن يخرج عاجال خارج املنزل ليستعد ملجابهة العاصفة، وعندما وصل أصابته الدهشة، فقد اكتشف أن كل األشجار محمية، والحظائر مغطاة بمشمعات، والبقر بالحظيرة، والطيور باألعشاش، واألبواب عليها أسياخ حديدية، والنوافذ محكمة اإلغالق، وكل األمور تسير على ما يرام، حينها فهم املالك مغزى مقولة الشاب الذي خطط ملواجهة الكارثة لينام وقت وقوعها بأمان! فــي حـيـاتـنـا الــعــامـ­ـة تـواجـهـنـ­ا عــواصــف اجـتـمـاعـ­يـة عــديــدة ال نصحو للتعامل معها إال وقت وقوعها، مما يضاعف من أضرارها، كذلك الحال فـي الـعـواصـف االقـتـصـا­ديـة، غالبًا مـا يفشل املـسـؤول املكلف بلمف ما فـي تخطي الضائقة، فتتفاجأ بـأنـه ال يملك أي خطة مسبقة لتجاوز األزمة املالية التي تمر بها الشركة أو املؤسسة أو املنشأة، وكل ما يفعله ملواجهة رياح الخسائر، هو تسريح العاملني وترشيد املصروفات وطلب التسهيالت البنكية التي تدفع باملنشأة لحـافة الهاوية! لهذا سعدت بقرار تدريس كتاب (حياة في اإلدارة) لألديب الراحل غازي القصيبي، ألن الطلبة ســوف يقفون على تجربة عملية ثـريـة تحاكي العواصف اإلدارية التي تقع بفعل غدر األصدقاء وعداوة الحساد، وكم أتمنى تدريس كتاب ينمي أفكار مواجهة األزمات واملخاطر، حتى ينام أبناؤنا املكافحون قريري األعني عندما تهب عواصف الحياة.

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia