هل ينافس اليوان الصيني الدوالر في تداوالت النفط عامليًا ؟
مـــع افـــتـــتـــاح «بــــورصــــة شــانــغــهــاي للطاقة الدولية»، يوم أمس (اإلثنني) - وهي بورصة لعقود النفط اآلجـلـة املـقـومـة بعملة اليوان الصيني - نكون قد بدأنا عهدا جديدا في تجارة النفط العاملية، بعد أن تمتع الـدوالر األمريكي، خالل أكثر من 70 عاما، بكونه عملة الـتـداول الوحيدة لسلعة النفط. ووجــــــود تــلــك الـــبـــورصـــة يـــعـــد مــرحــلــة جـــديـــدة تعكس مـــحـــاوالت الــصــني املــســتــمــرة إلزاحـــــة أمــريــكــا عــن عرش الــــصــــدارة االقـــتـــصـــاديـــة، وســيــتــم ذلــــك تــدريــجــيــا خالل السنوات القادمة. فـقـوة الــدوالر خـالل العقود املاضية كانت مستمدة من قوة االقتصاد األمريكي - فهو االقتصاد األول عامليا - وأيضا من كون الدوالر العملة الوحيدة التي يتم تداول النفط بواسطتها. وعلى الرغم من املحاوالت العديدة من قـبـل الــدول املنتجة للنفط لالستغناء عن الــدوالر عملة تداول له، إال أنها باءت بالفشل. وجاءت أول محاولة في هذا املجال في عام )1976( حينما ناقش أعضاء منظمة أوبك ربط النفط بسلة عمالت رئيسية بدال من االعتماد
ًِ على الدوالر عملة وحيدة، وكان دافعهم إلى ذلك الرغبة فـي التقليل مـن آثــار تقلبات الـــدوالر املتالحقة وقتها، وتحقيق استقرار لعائدات الدول املنتجة للنفط. غير أن هذا االقتراح لم يكتب له النجاح؛ لعدم حصوله على موافقة مجموع أعضاء املنظمة التي يتم اتخاذها لــقــراراتــهــا بــاإلجــمــاع. وكــانــت مـعـظـم اقــتــراحــات إحالل عـــمـــالت أخـــــــرى مـــحـــل الـــــــــدوالر تـــأتـــي مــــن الــــــــدول ذات األيديولوجية املتأثرة ببغض النظام الرأسمالي الذي تتزعمه الواليات املتحدة. كما حاولت دول أخرى إيجاد واعتماد اليورو األوروبي عـمـلـة تــــداول للنفط. وصــــدرت تـلـك املــحــاوالت مــن دول منتجة تتأزم عالقاتها بني الحني واآلخــر مع الواليات املـتـحـدة األمـريـكـيـة، ومــن بــني تلك الـــدول فـنـزويـال. وقد ذهبت فنزويال - وهي تعيش أزمة طاحنة هذه األيام مع الـواليـات املتحدة - إلـى تبني عملة رقمية أطلق عليها اسم «بترو» لتسعير وتداول صادراتها النفطية؛ لتجاوز العقوبات االقتصادية املفروضة عليها من أمريكا، إال أن تلك الخطوة قد قتلت قبل أن يبدأ التداول بتلك العملة. وإذا أردنا ان نعدد مبررات إطالق اليوان الصيني عملة لــتــداول النفط بجانب الــــدوالر، نجد أنـهـا تتلخص في التالي: أوال: واردات الــنــفــط الـصـيـنـيـة هــي األكــبــر عــاملــيــا، فقد تجاوزت تلك الــواردات مستوى 8 ماليني برميل يوميا، متخطية الواليات املتحدة األمريكية التي تبلغ وارداتها النفطية نـحـو )7.5( مـلـيـون بـرمـيـل يـومـيـا. وبالتالي، تستطيع (الصني) - بإنشائها بورصة شانغهاي - تأمني وارداتها النفطية الضخمة ضد أية مخاطر دولية قادمة. وال يــعــد إنــشــاء هــذه الــبــورصــة الـخـطـوة الــوحــيــدة التي اتـخـذتـهـا الـصـني إلدارة مـخـاطـر وارداتــهــا النفطية، بل تعدتها إلى خطوة أخرى، وهي الشراء املباشر المتيازات حقول نفطية حـول العالم، وعلى األخــص في أفريقيا - كما دخلت مع دول منتجة للنفط في شراكات في عمليات املــنــبــع، والـعـمـلـيـات الــالحــقــة فــي مــصــاف لـديـهـا لتأمني الزيت الخام ملصافيها املتعددة - ومن هذه الشراكات ما تم مع اململكة العربية السعودية. ثــانــيــا: فــي ظــل الــتــنــافــس الــشــديــد املــعــلــن وغــيــر املعلن، بينها وبني شركائها التجاريني - وعلى رأسهم الواليات املتحدة - تحاول (الـصـني) إعطاء تجارتها، من واردات وصـــادرات تنوعا مطلوبا يقلل مـن أي ضغوط عليها، ويعطي عملتها الصبغة الدولية لتفرضها على الدول األخرى التي تحاول معها كسر احتكار الدوالر األمريكي وهيمنته على مختلف تداوالت السلع والخدمات. وتــدخــل فــي هـــذا اإلطـــــار الــحــرب الــتــجــاريــة الــتــي بدأت الــواليــات املـتـحـدة شنها على الـصـني األســبــوع املاضي؛ بفرضها رسوما تصل إلى 60 مليار دوالر، على الواردات الصينية، ممهدة بذلك التـخـاذ الصني خـطـوات مماثلة وإشعال حرب تجارية عاملية. ثالثا: بما أن حجم تجارة النفط العاملية سنويا يتجاوز الــــ(37.1) تريليون دوالر، فــإن املنطق يعترف بضرورة وجود أكثر من عملة تداول دولية. وفي ظني، سيتم العمل بهذا التوجه خالل الجديد السنوات القادمة. حيث ال أحد يمكنه أن يتصور أن يحتل اليوان الصيني مركزا منافسا لــلــدوالر منذ األســبــوع األول (األســبــوع الـحـالـي) لتداول النفط بموجبه، بل سيستغرق سنوات حتى يكتسب ثقة املجتمع الـدولـي، ويكون بديال فوريا للتعامل بـه، متى ما فقد الدوالر قيمته تدريجيا؛ وإن كنت أستبعد حدوث ذلك لقوة االقتصاد األمريكي الذي ال يزال األول عامليا. رابــعــا: نـــذكـــر هـــؤالء الــذيــن يـظـنـون أن الــيــوان الصيني ليس بعملة دولية وأنــه لن يقدم أحـد على التعامل به، نــذكــرهــم بــأن صـنـدوق النقد الــدولــي قـد أضـافـه مؤخرا إلى قائمة العمالت العاملية الرئيسية، إلى جانب اليورو واإلسترليني والدوالر األمريكي والني الياباني. خامسا: قدمت الصني من خالل هذه البورصة الجديدة كــل الــضــمــانــات الـــالزمـــة لـكـسـب ثــقــة املـتـعـامـلـني بعملة (بترو- يوان)، من خالل تغطيتها بالذهب بالكامل، كما اعتمدت شروطا تسهيلية للمتعاملني في هـذه السوق تحفيزا لهم، وتم اعتماد 7 خامات ليس من بينها خام برنت أو خام تكساس األمريكيان. بل الخامات التي يتم تداولها في آسيا على وجه الخصوص، ومنها خامات عمان ودبي وغيرها. وحددت أيضا هامش التداول عند 7%، ورفعت من تكلفة التخزين في صهاريجها املختلفة للتقليل من املضاربات العاملية في هذه البورصة. وخــتــامــا، فـــإن «بـــورصـــة شــانــغــهــاي لـلـطـاقـة الدولية»، ستكون بمثابة ثــورة قـادمـة فـي مجال تـــداوالت النفط، وستضع تدريجيا حـدا لهيمنة الــدوالر األمريكي على هـذه الــتــداوالت. وهـو تـنـوع مطلوب؛ إذ النفط مـن أكبر السلع التي يتم تداولها عامليا. وستعطي هذه البورصة أيضا مـؤشـرا سعريا عامليا إضـافـة إلــى مــؤشــري برنت والـنـفـط األمـريـكـيـني. وهـــذه الـخـطـوة تـنـبـئ بـــأن الصني قـادمـة بـقـوة نحو احتاللها املـركـز األول اقتصاديا في العالم، ويتوقع حصول ذلك خالل العقد القادم.