حني أصبحت كلماتنا.. أغاني!
على أنغام مقطوعة باذخة للعبقري عمر خيرت وفي هــــدوء ال يـقـطـعـه ســـوى تــمــرد الـــنـــاي اآلســــر الــــذي يهز الـــوجـــدان ويـتـمـلـك نــيــاط الــقــلــب، اســتــحــضــرت ذاكرتي «النكدية» كـل القصص التي حرمتنا مـن هــذه النعمة في وقـت مـا، حني كـان وقعها أقـوى تأثيرًا من رنـة وتر أو نـغـمـة مـــزمـــار، ثـــم عــرجــت ذاكـــرتـــي قــســرًا إلـــى قصة طبيب القلب «الـبـروفـسـور» الــذي وضــع السماعة على قلب مريضة فسمع ردح الطبول واملزامير واملوسيقى داخل قلبها مثبتًا بذلك سوء خاتمة من يطرب ويسمع األغاني! ذهبت قصص الصحوة كالسراب، كدخان حل في ليلة مـدلـهـمـة الــســواد ثــم تـبـخـر مــع انــقــشــاع الــظــالم وبزوغ الــفــجــر، ولــســوء الــحــظ فـلـم تــوثــق أو تـحـفـظ كتيباتها ومطوياتها «وخنبقاتها» فتؤرشف كدليل ناصع على الـجـهـل الـــذي تلبسنا ولــبــســنــاه، ربــمــا ألنــهــا «فشيلة» وعـار ال يستحق التوثيق أو ألن من كتبوها «تغيروا» فــأصــبــحــت هــرطــقــاتــهــم الــســابــقــة مــخــجــلــة يحاولون التخلص منها بتجاهلها، واعمل نفسك ميتا إزاء كل ما ينكشها ومن ينبش في أوراقها، ما علينا.. فقد ذهبت الصحوة وذهب عرابوها إلى مزابل التاريخ وحضرت الـقـيـم العليا لـلـديـن والــركــائــز الـتـي تنشأ عليها األمم والـحـضـارات لتنتج أفضل ما لديها من قيم التعايش واالحــــتــــرام وتــقــبــل اآلخــــــر، وحـــضـــرت كــذلــك املقومات املـسـانـدة لنهوض املجتمع وتـهـذيـب ذائـقـتـه وتكريس الهدوء واملحبة وسمو األخالق والترفع، فكان للموسيقى حضورها الطاغي في محافلنا ويومياتنا دون ضجيج أو شهقات مـن يـذكـرنـا بـالـرعـب الــذي سينهش قلوبنا وأكبادنا. املـوسـيـقـى هــي شــريــان يـغـذي الـــروح لتسمو فــي نشوة وعـنـاق مـع الخيال فـي امـتـزاج مهيب بـني أوتــار القلب وأوتــــار اآللـــة لـتـأخـذنـا بـعـيـدًا لـيـس إلــى عـالـم التفجير والــعــنــف والــقــتــل بــكــل تــأكــيــد، بـــل إلــــى عـــالـــم الجمال والهدوء.… والسالم! خـــتـــامـــًا.. أال تـــــرون كــيــف أصــبــحــنــا نـــتـــذوق املوسيقى ونتحدث غناء وأشعارًا حني تحطم حاجز الرعب بيننا وبينها؟