أين الروح العمالية السعودية؟
أفراح «الدويلة» بصواريخ احلوثيني
ما سر الفرحة القطرية العارمة التي تناثرت عبر وسائل إعالمهم عقب إطالق صواريخ الحوثيني السبعة البائسة نحو الرياض وخميس مشيط ونجران وجازان، التي تصدى لها الدفاع الجوي السعودي بنجاح؟ لم تخف قناة الجزيرة وغيرها من القنوات القطرية ـ اإلخوانية عالمات الــفــرح طـــوال األيـــام املـاضـيـة، تبنت عبر منصاتها املختلفة وجـهـة نظر ميليشيات الـحـوثـي، وخصصت برامجها لــواحــد مــن بائعي الــوهــم في الـتـنـظـيـم الــبــائــس، بــالــتــزامــن مــع إعــــالن الـــريـــاض عــن تـفـاصـيـل العملية الخسيسة وكشف فضائح وأسرار األسلحة اإليرانية التي يجري تهريبها إلى اليمن في جنح الظالم. ال يبدو األمر غريبًا أو جديدًا على العارفني بالعالقة السرية املتينة التي تربط «نـظـام الحمدين» القطري مـع الحوثيني والـتـي يصل عمرها إلــى مـا يقارب عقدين من الزمن، فقد ولدت هذه العالقة في مطلع األلفية الجديدة، وبالتحديد قبل 8١ عامًا، في أعقاب اتفاقية ترسيم الحدود بني السعودية واليمن، إذ بدأ وقتها الـدعـم القطري لحسني بــدر الـديـن الـحـوثـي، الــذي قتل الحـقـا، واستمر على مدار 7 سنوات كاملة، حينما استقبلت صعدة معقل الحوثيني وفدًا من املخابرات القطرية عام 7٠٠٢ تحت غطاء الوساطة مع الحكومة اليمنية التي كانت تخوض حربا ضد هذه امليليشيات وقتها، ليكتشف الجميع فيما بعد أن الهدف القطري كان الوقوف بجانب الحوثيني ومنحهم الفرصة إلعادة ترتيب صفوفهم بالتنسيق مع إيران وحزب الله. استمر الحبل السري املشبوه يربط بني حكام دويلة قطر وبني الحوثيني على فـتـرات متباعدة، مـن أجــل اإلضـــرار باملصالح السعودية، ومواصلة الـدعـم الخفي ألطـمـاع اإليـرانـيـني فـي املنطقة، ودفــع الـحـمـدان بأموالهما وإعـالمـهـمـا إلفـشـال كـل الـجـهـود الساعية إلــى تحقيق الــهــدوء والسكينة على الحدود بني اململكة واليمن، رغم املبادرة الخليجية التي اتفق عليها الكثيرون عام ١١٠٢. وعندما دخلت قطر في تحالف دعم الشرعية كانت تخفي تحت عباءتها خنجرا من الغدر والخيانة تنسجم مع أفعالها القبيحة على مدار سنوات طويلة، وظلت تلعب دورا مشبوهًا قد تكشفه األيام املقبلة بشكل أوضح، والغريب أن الخطاب املعلن للقيادة القطرية كان داعمًا للشرعية في اليمن رغم ما يحاك في الغرف املغلقة، قبل أن يتبدل الحال تمامًا في عام 7١٠٢ إلى حرب إعالمية علنية ضد دول التحالف «أصدقاء األمس». تحول اإلعــالم القطري فـي الـداخـل والــخــارج ـ ســواء الـصـادر مـن الدوحة، أو الذي يبث سمومه من تركيا ـ إلى منصة معلنة مليليشيات الحوثيني، مثلما كــان قبل ســنــوات ليست بعيدة املنصة الرسمية ألســامــة بــن الدن وتنظيم القاعدة، وكان الناقل الحصري لكل أخباره وبياناته، وهو مشهد هزلي لـم يجد أحـد تفسيرًا لـه حتى اآلن، ويستمر املشهد أكثر مأساوية بالنسبة للقنوات اإلخوانية، وعلى رأسها إحدى القنوات القبيحة لتنظيم اإلخوان التي خصصت كل برامجها للتصريح ليل نهار ضد السعودية ومصر.. ولعل ذلك أيضًا قد يدعونا للربط بني حــادثــة تفجير اإلسـكـنـدريـة الـــذي وقــع قـبـل أقــل مــن 48 سـاعـة مــن إطالق الصواريخ الحوثية البائسة. الشك أن األدلة الدامغة التي عرضها التحالف العربي لدعم الشرعية حول تهريب إيران صواريخ مليليشيات الحوثي، دليل قوي على الدور القطري املشبوه، ســواء في الدعم املالي للحوثيني أو املساهمة في إيصالها إلى اليمن، وهو ما يفسر حالة الفرح التي لم ينجح اإلعالم القطري في إخفائها، لكنهم فيما يبدو تناسوا أن سياسة الحزم والعزم التي تتبعها السعودية في الوقت الحالي لن تغفر لهم أفعالهم الصبيانية.. وسيكون الحساب عسيرا، سواء لهم أو لإليرانيني الذين يحركونهم من خلف الستار..! فـــي ظـــل مـــا تــشــهــده بـــالدنـــا حــالــيــا مـــن تغيرات اقـتـصـاديـة اسـتـوجـبـت تـوطـني الــوظــائــف، بأن يكون املواطن هو أســاس التنمية في جميع املجاالت، لكن التركيز الذي ترغب فيه دولتنا هــو املـسـتـويـات الـدنـيـا مــن العمل والتي تهتم بالجانب العملي، لــــــذا ســـيـــكـــون حـــديـــثـــنـــا عن الطبقة العمالية السعودية الـتـي كـانـت مــوجــودة في بداية نهضة هذه الدولة املــبــاركــة، ال بــد فــي هذه املـرحـلـة مــن بـعـث الروح الـــعـــمـــالـــيـــة السعودية بــــعــــد غـــــيـــــاب دام أكثر مـــن ٠4 عــامــًا إثـــر طفرة اقتصادية غمرت البالد، وبـعـد أن قتلت بدعاوى بــــاطــــلــــة مـــــثـــــال ذلــــــــك أن الشاب السعودي رجل كسول ال يحب إال العمل املكتبي والنظري، فهجر الشباب العمل في القطاع الخاص، فأحلت بدال منها الــروح العمالية األجنبية، رغم أنه في بداية نهضة هذه الدولة منذ عهد املؤسس امللك عبدالعزيز وظهور النفط كان للطبقة العمالية السعودية األثر البالغ في نهضة أكبر شركة نفط في العالم واألدلــة على ذلـك موجودة، ونــشــأة هـــذه الـطـبـقـة نــاتــجــة عــن الـــظـــروف االقتصادية الصعبة التي مرت بها اململكة مع ندرة البديل وهذه الطبقة العمالية تحولت بجهدها العملي إلى تكوين ثروة ولم تعش على مستوى واحد، بل تدرجت إلى أعلى املراتب، في هذا الوقت كما قلت نحتاج إلى تهيئة طبقة عمالية تعمل بكد يدها تعمل بجهدها العملي، فالثورة الصناعية ال تأتي إال عن طريقها، ونحن في اململكة متجهون إلى هذا التطور الذي سوف تحققه رؤية ٠٣٠٢، لكن ثمة سؤال يدور في الذهن كيف يمكننا أن نهيئ طبقة عمالية كما هي في السابق؟ صحيح أن األوضاع االقتصادية في ذلك الوقت هيأت وجود هذه الطبقة، ونحن نستطيع تهيئتها في هذا الوقت عن طريق التخطيط الصحيح ملا نريده، وأول لبنة نضعها لبناء هذه الطبقة عن طريق التعليم العام الفني الذي من املفترض في الوقت الراهن أن يكون هو التعليم السائد كما كان سابقًا بحيث يصبح طالبنا لديهم حــرف ولـديـهـم روح الـعـمـل، فبدل أن نـنـشـئ مــــدارس عــامــة ال بــد من إقامة مـدارس مهنية متخصصة كــــمــــا هــــــو حــــــــال املـــــــــــــدارس في بـــدايـــة الــنــهــضــة الـــتـــي ال تزال كــاملــعــاهــد الــثــانــويــة امللكية الـــصـــنـــاعـــيـــة والثانوية الـتـجـاريـة والثانوية الـــزراعـــيـــة والعلمية الــــشــــرعــــيــــة، وتــــكــــون هــــي األســـــــاس وعلى الــجــامــعــات أن تفتح املجال للتخصصات الـــعـــلـــمـــيـــة أكـــــثـــــر من الـــــــــتـــــــــخـــــــــصـــــــــصـــــــــات النظرية التي أصبح خريجوها يعانون من شح الوظائف، كذلك يـجـب بـعـد هـــذا الـتـصـحـيـح فــي الـتـعـلـيـم الــبــدء بالوظائف الــحــكــومــيــة، يــجــب أال يــبــقــى أي أجــنــبــي فــيــهــا وكذلك الشركات الكبرى، فإذا أردنا التصحيح يجب أن نبدأ من رأس الهرم وأال نحابي أحــدًا ومـن بعد ذلـك نأتي على البقية، التشجيع على التغير فـي نمط الحياة بحيث يتم تقديم األهداف املنشودة من هذا التغيير وأن املنطق يـسـتـوجـب عـلـيـنـا أن نـعـمـل الــبــدن مــع الــذهــن وأن يكون لدينا حب العمل، وال ننكر الــدور اإليجابي من توطني سوق االتصاالت الذي أوجد لنا الكوادر الشبابية املتخصصة واملتميزة التي تعمل بكد يدها وهي تمثل في نظري بداية نشوء الطبقة، فنرى البارعني في صيانة أجهزة االتصال ونرى البائعني واملستثمرين في هذا املجال كلهم من الشباب السعودي، لكن يحتاج الشباب إلى املزيد من التهيئة، بعد ذلك سنرى خـروج هذه الطبقة التي تؤسس لدولة صناعية كبرى تنافس الدول الصناعية.