العنصرية األكادميية املقنعة!
ليس ثمة شك أن العنصرية مرفوضة أينما حلت وكيفما كــانــت، ويـــــزداد رفــضــهــا ومـقـتـهـا عــنــدمــا تــمــارس داخل الصروح العلمية وفي منارات املعرفة (الجامعات) وبني منسوبيها وأعضائها التي يعول عليها وعليهم الكثير في تطوير األمم وتقدم ورقي الفرد واملجتمع. وعلى الرغم من أن األغلب يرفض العنصرية وال يعترف بممارستها، إال أنــهــا مـــوجـــودة بــأشــكــال مــتــعــددة ونــســب متفاوتة، ويستحيل إنـكـارهـا كالقبلية واملناطقية وغـيـرهـا، غير أننا في هذا املقال سنسلط الضوء على عنصرية مقنعة تخفي حقيقتها وتستشري في األوســاط األكاديمية. أال وهــي الـعـنـصـريـة األكــاديــمــيــة والــتــي تــأخــذ هــي األخرى أشكاال مختلفة كتفضيل خريج بلد على آخر أو خريجي جامعة على أخرى. ولكن أكثرها انتشارا وأشدها وطأة هي العنصرية التي تمارس على خريجي الداخل والتي أدت إلى اإلقصائية الجائرة التي حرمتهم من املنافسة مع اآلخرين. ومـــن مــظــاهــر هـــذه الـعـنـصـريـة أن اإلعـــالنـــات الوظيفية للجامعات تذيل بعبارة «األفضلية أو األولوية لخريجي برنامج االبتعاث»، بل أصبحت اإلعالنات موجهة فقط لـخـريـجـي بـرنـامـج االبــتــعــاث، كـمـا أن فــرص الـقـبـول في بــرامــج الـــدراســـات الـعـلـيـا لـــدى بـعـض الــجــامــعــات تكون بنسبة كبيرة للعائدين من االبتعاث الذين أنهوا جزءا من دراستهم في الخارج. ومن الغريب واملؤسف أن بعض األكاديميني يتبنون هذا الفكر العنصري تجاه خريجي الداخل، وكأنهم حصروا الكفاءة بالحصول على املؤهل العلمي من خارج محيط الوطن! مبتعدين عن املوضوعية والواقعية بحصرهم الكفاء ة في هذا املعيار الضيق. لـيـس خـطـأ أن نستثمر فــي أبــنــاء الــوطــن الــعــائــديــن من االبـتـعـاث، ولكن الخطأ هـو إقـصـاء خريجي الـداخـل من خوض املنافسة معهم؛ ال لسبب واضح يقدح في كفاء تهم؛ وإنما بمنتهى اإلجحاف، ألنهم حصلوا على درجاتهم العلمية من الجامعات السعودية! ومن املفارقات الساخرة عندما وجه النقد للجامعات حول ارتفاع نسبة أعضاء هيئة التدريس مـن غير السعوديني عللت لذلك وبررت لـه بقول «حـرصـا على جــودة املـخـرجـات»؛ وعندما حان الـوقـت لحصاد واستثمار هـذه املخرجات تـم إقصاؤها وتـــجـــاهـــلـــهـــا؛ مـــمـــا يــثــيــر الـــريـــبـــة حـــــول أســــبــــاب عــــزوف الجامعات عن االستثمار في مخرجاتها. وحــتــى ال نـبـتـعـد عــن فــكــرة املــقــال الــرئــيـسـيــة وهـــي نبذ العنصرية األكـاديـمـيـة. فالجدير بالذكر هنا أن إصدار حكم األفضلية أو األولـويـة البـد أن يتسم باملوضوعية، فاملعيار الحقيقي هو كفاءة الشخص وإنتاجيته؛ كما أن مــبــدأ تـعـمـيـم األحـــكـــام مـــرفـــوض، فــمــن املـسـتـحـيـل أن يتصف جميع خريجي برنامج االبتعاث بنفس الصفات واملميزات التي تمنحهم األفضلية والعكس صحيح مع خـريـجـي الـــداخـــل؛ لـسـت بــصــدد ذكـــر مـثـالـب أو محاسن الطرفني وإنما التأكيد على نبذ العنصرية األكاديمية وأن الــجــمــيــع أبـــنـــاء الـــوطـــن وشـــركـــاء فـــي بــنــاء نهضته وتحقيق رؤيته.