Okaz

إصالح التعليم بقرار سياسي

-

وأخــيــرًا ستتوقف بـومـة مينيرفا عــن التحليق فــوق عقولنا بعد سنوات من العيش في الظالم، وأخيرًا سيحاكم الحاضر املــاضــي، وسيتم فـك االرتــبــ­اط بـني التعليم واإلخــــو­ان كعامل حسم في معركتنا الوجودية وأمننا ونهضتنا. لقد عشنا في خطر، ومن خطورته أننا لم نشعر بأنه خطر... ولم نعلق الجرس حول محتوى مناهجنا التعليمية إما خوفًا من تسلط التوأم اآلخر العلماني، أو اتكاال على نية سليمة ال ترى تضخيم األمور. ولو أن أمة من األمم تعرض كيانها التعليمي للخطر ألطلقت صافرات اإلنذار، إن األمـم تستنفر وزارات التعليم خاصتها إذا هبط ترتيبها في املخترعات فقط، وترى في تدخل أي فئة في نظامها التعليمي إعالن حرب.. فكيف بأمة تسلم فيها حزب متطرف زمام التعليم بأسره، وزرع في نظامه األلغام! لقد صدر أمر إلزامي إلصـالح التعليم في أمريكا بعد تقرير (األمة في خطر) وهو تقرير الرئيس األمريكي ريغان م1983 وشــكــل نــشــر هــــذا الــتــقــ­ريــر حـــدثـــا بــــــارز­ا فـــي تـــاريـــ­خ العملية التعليمية األمريكية؛ حيث ساهم فـي النمو الــذي لـم يحدث من قبل. وقد استجاب ميثاق اللجنة إلى املالحظة بأن النظام التعليمي في الواليات املتحدة قد فشل في تلبية الحاجة الوطنية للقوة العاملة التنافسية، ويتطلب هــذا مـن اللجنة تقييم «نوعية التعليم والتعلم» في املرحلة االبتدائية والثانوية ومستوى التعليم بعد الثانوي، العام والخاص؛ وكتب في التقرير: «لقد تـآكـلـت األســـس التعليمية الـحـالـيـ­ة فــي مجتمعنا عــن طريق املوجة املتصاعدة من الوسطية التي تهدد مستقبلنا بصورة كبيرة كـأمـة وشـعـب وحــكــومـ­ـة»... «وإذا حــاولــت قــوة أجنبية معادية أن تفرض على أمريكا أداء ا متوسطا مثلما هو موجود اليوم، فينظر إليها على أنها حرب». وفي الذكرى 25 من إطـالق التقرير، أصـدرت منظمة املــدارس األمريكية غير الحزبية تقريرا مدرسيا عن التقدم منذ التقرير األولي. وقالت: «لقد تم تطبيق القليل من التوصيات الفعلية للجنة، واآلن ليس هذا وقتا للمزيد من األبحاث أو التقارير أو تأسيس اللجان. فلدينا ما يكفي من األفكار لتحسني أداء املدارس األمريكية؛ فالعنصر املفقود ليس هو العنصر التعليمي على اإلطالق. ولكنه العنصر السياسي، وقد حاول زعماء الواليات والحكومات املحلية، في كثير من األحيان، سن قوانني لإلصالحات املوصى بها في التقرير ولكن تحكمها املصالح الخاصة والجمود السياسي، وأنــه من غير قيادة وطنية نشيطة لتحسني العملية التعليمية، لم تستطع األنـظـمـة املـدرسـيـ­ة الحكومية واملحلية ببساطة التغلب على عــوائــق صنع التغييرات الكبيرة لتحسني مستويات التعليم من املرحلة االبتدائية حتى الثانوية بشكل ملحوظ». إذا كانت أمريكا شعرت بخطورة الجمود العلمي، فينبغي أن نشعر نحن بــخــطــو­رة الـــحـــر­اك الــحــزبـ­ـي الــديــنـ­ـي والــــال ديــنــي. وإذا كــانــت أمــريــكـ­ـا سعت لالبتكارات لتحصل على الثروات، فإن علينا أن نحمي مقدراتنا وما وهبنا الله من ثروات. إن التقدم التكنولوجي والعلمي واالقتصادي والسياحي، نستطيع صنعه في أي وزارة مع التعليم، وال خوف على اقتصاد ما بعد النفط في رؤية ،2030 فهذه األمـور سيسعى الوطن لتحقيقها -إن شاء الله- إنما الخوف يكمن في زعزعة األمن واضطراب النفس وتخريب املقدرات وخسارة املكتسبات وفناء الوطن من الداخل... وهذا األمن ال يثبته إال العلم الشرعي أصالة، والـعـلـوم النافعة األخــــرى... كـل علم فـي فنه ومـيـدانـه، سـيـرًا نحو منظومة تعليمية متكاملة. واآلن ليس هناك وقت للمزيد من األبحاث أو التقارير وتأسيس اللجان، فلدينا ما يكفي من األفكار لتحسني أداء املدارس السعودية؛ إذ إن لإلسالم منهجية متفردة في تحقيق األمن ومكافحة العنف، فهو يهتم بالوقاية التي تمنع العدوان أصال؛ إن العنصر املفقود ليس هو العنصر التعليمي على اإلطالق، ولكنه العنصر اإلداري. وها هو اليوم قد حصل، وصـدر وعد إلزامي من القيادة إلصالح التعليم في السعودية، ثم أعلنت وزارة التعليم أنها ستعمل على هذا القرار. ولقد استبشرنا بقرار القيادة الحكيمة، ولكننا من خالل التجارب لم نعد نثق في نجاح وزارة التعليم، ولعل فشلها في برامج األمن الفكري وفطن واألنشطة غير الصفية لدليل على عدم قدرتها على إنجاز هذا امللف العظيم، لقد جربنا وزارة التعليم في عز ازماتنا مع التطرف، والزالت مناهجنا وأنشطتنا مثار تعجب واستهجان، لقد رأينا الفشل وعانينا منه، ومــن املضيع للوقت والـجـهـد واملـــال أن نعيد الـكـرة ونــراهــن على الفشل من جديد، ونضيع السنوات الذهبية من عمر دولتنا. ومادام القرار سياسيًا فال أقل من إيكال أمر املناهج إلى هيئة فكرية مرتبطة بخادم الحرمني الشريفني مباشرة، تضم نخبة من أهل العلم والفكر، ولها حق إلزام التعليم العام والجامعي بما تراه محققًا لرؤية القيادة. إن أمننا مرتبط بالتعليم املـرتـبـط بـالـقـرار الـسـيـاسـ­ي، وهــو مــن سيكون له الحسم، فال ينبغي االعتماد على وزارة التعليم وحدها. فإذا جاء نهر الله... بطل نهر معقل، وقيل: إذا جاء نهر الله... بطل نهر عيسى.

 ??  ??
 ??  ?? مشاعل العيسى
مشاعل العيسى

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia