عبداملجيد الزهراني يخيط األمل بشفاه املتعبني
يعتمد الشاعر عبداملجيد الزهراني على رؤية فنية تــقــول إنـــه يـمـكـنـنـا قـــول كــل شـــيء بــالــشــعــر، الرضا، والغضب، الحب والفرح، والحزن، حتى يتحول نص املنتمي لهذه املدرسة إلى متسلق جبال وعرة، يركز املتابعون على بلوغه الــذرى، ويخشون تـرديـه، كما يـهـابـون عــجــزه عــن إكــمــال تـسـلـقـه الــجــارح بــرغــم ما يملك مـن أدوات واحتياطات. وفــي نصه (الوصية) املوجه البنه فيصل يقدم لنا هرمًا غنائيًا من صخر عينيه (فيصل وانا بوك ما عاد الفضا راحـب، تغير الناس والصورة ضبابية، اللي ذخرناه صاحب ما طلع صاحب، واللي جفيناه ماله بالجفا نية). يـدخـل الـشـاعـر بـقـارئـه فـي الـنـص ليكون جــزءا منه، قــاضــيــًا ومــتــهــمــًا، وحـــاكـــمـــًا ومـــحـــكـــومـــًا، مـــا يحيل املــــوضــــوع إلــــى ذات، وبـــرغـــم أن نـــزعـــة عبداملجيد إنسانية، إال أن نصه نص ثائر على نفسه، وبما أنه شفيف في الواقع تأتي الوصية بكامل أدبيات الثائر األنــيــق وإن تـخـلـت عــن بـعـض مـعـطـيـات اإلنسانية املتحضرة (ال تبتسم في وجوه لونها شاحب، تخفي لك الود في جيب الكراهية، وال تدخل الصحبة اللي عفشها زاهب، او تأخذ املوقف اللي لحمته نية). وصايا اآلباء مقدسة وإن كنا نتحول بها إلى أسرى يحكمنا من لحودهم راحلون، حتى نقف في منتصف طريق ال ندري هل نكمله بالوصية، أم نتخفف منها ونواصل وإن على غير هدى (فيصل وانا ابوك خلك راعي الواجب، خالك وعمك وجدانك شقردية، ال تتبع املقفي الـلـي معدنه ضـــارب، او تـصـرف الخمسمية عند ابو مية، فيصل وانا بوك خلك سيف ابو طالب، ما ينحني راسك اال عند رجليه). لـيـس بـاإلمـكـان أن نميل مــع مــن يتطلع إلى أن يكون النص في ذروة الكمال، وال أتخيل أن القصيدة الــواحــدة تستوعب كــل مــكــنــونــات الــنــفــس، وتــظــل الوصية وصـايـة ثقيلة مهما اتسع بطان املعني بــهــا خــصــوصــًا حــني تـكـثـر بــهــا الــــاء آت (ال ترقب الجغمة اللي في يد الـشـارب، أو تنتظرها تجي مـن بــرق وسمية، ال تـــــتـــــرك الــــحــــبــــل يـــــا فيصل عــلــى الـــــغـــــارب، واقـــنـــع برزق العصافير السماوية). ال أتـــــــردد فــــي وصـــــف نص الـــــوصـــــيـــــة لعبداملجيد الزهراني بـ(الريبورتاج) الــقــائــم عــلــى رســـم بــورتــريــهــي ملــامــح بــشــر عاديني ومختلفني (الــــاش ال تــأخــذه لحية وال شــــارب، وال تجي راس حية أو ذنــب حـيـة، ال تكمل البيعة اللي حلفها كاذب، وال تتاجر رخوم وال شريطية، في رحلة املوج واملجداف والقارب، ناظر البو نيتني بعني ابو نية). عبداملجيد صائد النوعي من الكام ليحيل صاخب القواميس إلى سهل ممتنع، نتاج مدرسة شعرية عريقة تـرفـض أن تقفز من فوق سرج حصان الكلمات بــرشــاقــة بــهــلــوان حـتـى وهو موقن أن حصانه سيرديه فــي الجحيم، ولـعـل آخر ما يفعل أبو فيصل قطع اللجام في سبيل تحقيق تراجيدية القصيدة.