التنمية الشاملة في سلطنة عمان تستحق اإلشادة

من يتابع التنمية في دول الخليج خال الخمسني عاما املاضية يتأكد لـه أن هناك نقلة حضارية حدثت في البشر والحجر في جميع دول الخليج، ويعود الفضل لقيادات دول الخليج ملوكا وساطني وأمراء ورؤساء. وبكل الفخر واالعـتـزاز نسجل نحن أبناء الخليج تاريخ التنمية في بـادنـا بـمـاء مـن ذهــب، فبعد أن كـانـت دويـــات فـي صـحـراء أصبحت دوال تنافس بقية دول العالم في تنمية بادها وشعوبها، وبعد أن كانت دول الخليج طـاردة لسكانها إلى الـدول العربية املتقدمة آنذاك مثل مصر والعراق وسوريا ولبنان وغيرها من الدول املجاورة بحثا عن الرزق والعمل والتعليم. تحولت دول الخليج في السنوات األخيرة إلــى دول جـاذبـة للعمالة األجنبية مـن جميع دول العالم وبمختلف التخصصات والشهادات للعمل واالستثمار، وأصبحت اإلقامة والعمل فــي دول الخليج مكسبا ومــصــدرا للعملة الصعبة لــلــدول املصدرة للعمالة، وساهمت هذه البايني املصدرة في تنمية دولهم، واألمثلة على التنمية في دول الخليج عديدة، لكنني اليوم سأتحدث عن إحدى دول الخليج التي كان يعتبرها البعض في املاضي بأنها في مؤخرة دول الخليج من حيث التنمية نظرا ملحدودية دخلها، إال أنني وبعد زيارتي األخيرة في األسبوع املاضي لسلطنة عمان عدت إلى اململكة بانطباع إيجابي مؤثر في نفسي، وهو أن هناك تنمية حقيقية متزنة وغير مستعجلة مدروسة ومنضبطة أبدع فيها املخططون واملنفذون حتى وإن تـأخـرت فـي تحقيق التنمية إال أنـهـا وصـلـت إلــى مستوى ينافس التنمية في أي دولة من دول الخليج األخرى. وتلبية لدعوة من أخي وزميلي معالي الدكتور جمعة آل جمعة وزير العمل سابقا ورئيس مجلس أمناء جامعة مسقط، ومن أخي وزميلي الشيخ خليل الخنجي رئيس غرفة تجارة وصناعة عمان سابقا لزيارة جامعة مسقط وإلقاء محاضرة عن التعليم الجامعي األهلي في دول الـخـلـيـج. قـمـت بــالــزيــارة بـرفـقـة زوجــتــي وبـرفـقـة زمـيـلـي ومستشاري األســتــاذ الـدكـتـور حسني العلوي وعائلته، ولــم أبـلـغ صـاحـب الدعوة الستقبالي رغـبـة مني بــأن أشــاهــد مسقط مــن بوابتها مـطـار مسقط الدولي، وأرى ما يراه املسافر والسائح العادي. ومنذ أن ركبت الطائرة العمانية مـن جــدة إلــى مسقط وأنــا مندهش من تطور الطيران العماني بطائراته الحديثة وأطقم القيادة العمانية املحترفة وأطقم الخدمة داخل الطائرة من ذوي الخبرة واملهنية التي يصعب منافستها، إلى أن حطت بنا الطائرة في مطار مسقط الدولي الجديد والذي كان يوم وصولنا هو الثالث من تاريخ االفتتاح الرسمي فكانت بالنسبة لـي صـدمـة إعـجـاب وانـبـهـار بمستوى املـطـار حجما وتصميما وتخطيطا وتأثيثا وخــدمــات، ولحسن الحظ أن الطائرة وقفت عند آخر بوابة في (التيرمنال) حتى أستمتع وأنبهر أنا ومن يرافقني باملطار، فكانت صاالته لوحة جمالية تبهر املسافرين بعظمة التصميم والتنفيذ، واألهم من كل هذا كانت الخدمات الراقية والسهلة واملرنة من الجوازات والجمارك واستام الحقائب في دقائق، ثم إلى صالة االنتظار ثم إلى صالة وسائط النقل ومنها التاكسي العماني بقيادة شباب عمانيني متعلمني ومثقفني وكأنهم دربــوا ألن يكونوا مرشدين سياحيني بـسـيـارات تاكسي راقـيـة املستوى ونظيفة الشكل واملــضــمــون وبـرحـلـة حــوالــي سـاعـة إلــى املنتجع املـخـصـص إلقامتنا خارج العاصمة. الحظت أن مدينة مسقط تستطيع أن تنافس أي دولة في العالم من حيث النظافة واتساع طرق السير الطويلة املضاءة واملشجرة، كما تستطيع أن تنافس التنمية في أي دولة أخرى من حيث تطويع الطبيعة لبناء التنمية، فتم ربط الجبال بالسهول من خال األنفاق والجسور املعلقة، وتعمير السهول بني الجبال وعلى الشواطئ بإقامة أرقى املنتجعات السياحية التي بدأ يرتادها السياح من آسيا وأوروبـا وأصبح ميناء مسقط البحري محطة استراحة للسفن السياحية الضخمة القادمة من آسيا إلى أوروبا وبالعكس املحملة بآالف السياح الذين يقضون أياما فـي شـواطـئ منتجعات سلطنة عـمـان، كما استقطبت منطقة صالة جنوب عمان الواقعة على أعلى الجبال آالف السياح من دول الخليج لبرودة أجوائها وجمال طبيعتها وصنف مطارها ضمن أفضل 20 مطارا في العالم. وفي مجال التعليم الجامعي األهلي على مستوى دول الخليج تعتبر سلطنة عمان من األكثر اهتماما ومن األكبر عددا للكليات والجامعات األهلية بعد السعودية واإلمـــارات، واألقــل عـددا على مستوى الخليج لـلـجـامـعـات الـحـكـومـيـة حـيـث يــوجــد بـهـا حــوالــي 67 جـامـعـة وكلية جامعية أهلية وجامعة واحــدة حكومية (جامعة السلطان قابوس)، وهناك استعدادات إلنشاء جامعة حكومية جديدة. وهذا يوضح مدى االهتمام الذي يحظى به القطاع األهلي الجامعي والـــذي يحصل عـلـى دعــم يــعــادل )170( مـلـيـون ريـــال ســعــودي لبناء الجامعات وتقدم أراض مؤجرة برسوم رمزية لفترة تشغيل الجامعة، وضــمــان مـنـح مجانية مــن الــدولــة تـصـل إلــى نسبة 50 فــي املــائــة من إجمالي الطلبة في تخصصات يحتاجها سوق العمل، حتى شركات الــســيــارات أنــشــأت كـلـيـات جامعية متخصصة فــي صـيـانـة وتشغيل السيارات. انتهت الزيارة وغادرت من املطار الذي أصنفه شخصيا األول حتى اآلن في دول الخليج، وبإصرار من أخي األستاذ أيمن الحوسني الرئيس التنفيذي ملطارات سلطنة عمان بالتجول برفقته على جميع مرافق املطار فزاد إعجابي وانبهاري وتمنيت أن يقوم املسؤولون في مطار امللك عبدالعزيز بجدة بزيارته قبل افتتاح املطار الجديد لاستفادة من التجربة. * كاتب اقتصادي سعودي

د. عبداهلل صادق دحالن *