املبادئ لنا ال علينا !
يعرف التاريخ منذ عـرف كيف يـؤرخ لحياة اإلنسانية والبشر.. إن التجارب قد أكسبت الحياة زخما معنويا جديدا.. يأتي صياغة لخالصة تجارب آالف السنني منذ أن ولد اإلنسان األول في مهد البشرية. وفــي وعـــاء الـتـاريـخ مـاليـني الـسـنـني وبـالـتـالـي مـاليـني الـتـجـارب التي انتهت إلينا عبر نهر السنني.. واإلنــســان بطبيعته يميل إلــى فطرته األولى.. وهي فطرة الله التي فطر الناس عليها اإليمان واإلسالم. ومـجـمـوعـة مــن املــقــومــات والــصــفــات لــو قــدر لـهـا أن تـنـمـوا بـعـيـدا عن املؤثرات والطفيليات التي تتسلق عليها من هنا وهناك.. والتي جاءت إفرازا سقيما لسوءات وسوء سلوك اإلنسان.. الذي عجز عن أن يتكيف مع مجتمع الفطرة والسوية.. فلجأ إلى ممارسات يخدش بها حـيـاء وكـبـريـاء وفـطـرة مجتمعة.. بالطبع يـأتـي ذلك في عملية إسقاط لتراكمات من أبرزها اإلحساس بالفشل وعـــدم الــقــدرة عـلـى مــجــاراة اإلنــســان الـنـظـيـف.. وحــبــا في السيطرة والتملك وخروجا على املألوف واملتعارف عليه.
ونعيش اليوم مجاورين لعدد كبير من األدعياء.. وخاصة من الذين قفزوا إلى سطح الشهرة.. بغتة وهم ال يشعرون.. ونجد منهم مـن يتصدر املجالس ويـصـدر أحكاما ظاملة غير منطقية وغير مـدروسـة أو مسبوقة بأرضية صلبة لـثـقـافـة ومــعــرفــة مـتـأصـلـة الـــجـــذور.. أســـوق مــثــاال ألولئك الـذيـن ينتقدون عاملا أمضى ستني أو سبعني خريفا من عـمـره باحثا منقبا.. تــدرج فـي سلم التعليم حتى وصل إلى ما وصل إليه، ونجد نفرا من الذين صنعتهم القراء ات الــحــديــثــة يــنــدفــع بــهــم حــمــاســهــم إلـــى تـسـفـيـه آراء أولئك الفطاحلة.. مرد ذلك في رأي البعض ألن ضحالة املجهود الذي بذله في تحقيق معلوماته هو الذي سوغ له أن يتجرأ على هكذا أحكام.
ومــن العجب أنــك تــرى مجموعة أخـــرى تنتقي مــن املــواقــف واملبادئ مـا يالئم فطرتها غير الـسـويـة.. ويناسب حالتها املزاجية والنفسية الراهنة.. وقد يزول ذلك االنطباع.. وذلك الحكم بزوال املؤثر. ولكن حالة لبوسها.. فهو إن كان كاتبا أو متحدثا أو صاحب حاجة يتلون في معالجته للواقع وفق معطيات ومناخ هذا الواقع وال يجد حـرجـا أن يـسـوق الـنـقـد الذعـــا وجـــارحـــا.. وكــأنــه الـسـيـاط تلهب جسد الحقيقة.. حتى لكأنك توشك أن تقع فريسة القناعة بأنه رجل وال كل الـرجـال.. فهو مواطن من الدرجة األولــى غيور على املصلحة حريص على حقوق اآلخـريـن.. ولكنك في صـورة أخـرى تجده مرنا إلـى درجة النفاق.. يسير مع التيار في قدرة املحترف.. حاجته الشخصية هي التي تلون مبادئه فتارة بيضاء نقية وتــارة دهماء.. وتعجب كيف يصدر عدم التوافق عن هذا الـذي ملك عليك ناصية إعجابك باألمس.. كيف يطرحك أرضا في هذا اليوم.
وآخر مهرج املجالس يختار من العبارة النارية الشيء الكثير تستمع إليها لفرط شجاعته األدبية وجرأته.. ولكنك عندما تمعن الـنـظـر فــي تـصـرفـاتـه تــجــده.. ال يـجـد عـيـبـا فــي أن يسخر إمـــكـــانـــات وظــيــفــتــه لــخــدمــتــه وأســــرتــــه.. ويــســتــغــل حقوق اآلخرين.. يستمرئ ذلك من أجل أن يخلق جوا مما يسمى (باألبهة)، فمنصبه يتطلب (البرستيج) أي حسن املظهر فـي زي العظمة.. والنقد يصدر عنه فـي صـراحـة مطلقة.. وتحاول أن تطبق القول على الواقع فيهولك األمر.
إن هــذه حالة مرضية وال شـك تجسد ثقوبا فـي نفسيات أولئك الذين يريدون املبادئ أن تكون لهم ووفق أمزجتهم وأهوائهم.. ويريدون أن يحملوا األشياء أكثر مما تطيق.. فــالــديــن والــســيــاســة واألخــــــالق وضــعــت املـــبـــادئ تشريعا يغطي سماء اإلنسانية.. يجد فيها اإلنسان عوامل التقنني مــا يكفل اسـتـقـامـة الـحـيـاة الـبـشـريـة.. فــي جــو مــن العدالة واالنـسـجـامـيـة والـتـكـافـل لإلنسانية جــمــعــاء.. أمــا أولــئــك الــذيــن شذوا عن القاعدة فيريدون املبادئ أن تكون طوع بنانهم.. واملبادئ قاعدة وضعت لتكون إطـارا عاما يحكم تصرفات الجميع الكبير والصغير والغني والفقير واملسؤول والصعلوك، ولو أنصت الشارع لهؤالء لدبت الفوضى وسادت االنتهازية وتسلط الرغائب الفردية.. والشارع حكيم وماض في طريقه نحو الغايات.. ولكن الخوف واأللم من أننا نعيش حـالـة مـن اللبس وعــدم الــوضــوح، فالساحة تعج بكثير مـن األدعياء الذين يقاومون كل قوانني تحكم نزواتهم.. حتى ولو كانت سماوية.. وحسبنا الله ونعم الوكيل.
* كاتب سعودي املصلحة الذاتية فوق كل اعتبار: املبادئ لنا ال علينا: ملاذا املبادئ لنا ال علينا: انتقاء املواقف: