فكر.. اكتشاف.. إبداع
في مدينتي التي كانت صغيرة وأصبحت ضخمة. في مهد طفولتي وصـــبـــاي. فـــي مـــرابـــع الـــزمـــن الــجــمــيــل. وتــحــت هــديــر املـــدافـــع وأزيــــز الـطـائـرات التي تحمي الـوطـن. فقط مسافة 20 كيلومترا أو أقــل هي التي كانت تفصلنا عـن الحد الــذي نـدافـع عنه، ونــرد البغاة الجهلة بسالحنا وإنسانيتنا عنه، على بعد هذه املسافة كان هناك حدث آخر، حـدث إنساني وراق ومتقدم، يجسد الفرق بني املجتمعات املتخلفة واملجتمعات التي ترنو إلى املستقبل بإصرار وعزيمة. كــانــت صــغــيــرتــي، وحـبـيـبـتـي األثـــيـــرة، املــهــووســة بــالــجــمــال والفرح والحياة والعلم، كانت مشغولة بحدث متقدم جدا. كانت أختي «غادة» مشغولة حـد التعب بتنظيم مؤتمر فـي تخصصها «علم األحياء»، لكنها اختارت أعقد املواضيع في هذا العلم، وأصرت على استضافة أمـهـر املتحدثني فـيـه، ومــن بينهم تلك الـفـتـاة الـتـي قطعت املسافات وانتقلت من أقصى جنوب جازان إلى أمريكا، وقررت بكامل إرادتها ووفائها أن تعود إلى املدرسة التي كانت تعمل فيها بعد نيلها شهادة املاجستير. كنت مــغــادرًا يــوم انـعـقـاد املـؤتـمـر، لكن قلبي كــان معه ومــع «غادة»، ألنها استحثت بــذور العلم التي نثرتها فـي أرض مدينتي ونثرها قبلنا والـدهـا الــذي لـم يترك لنا إال رصـيـدًا واحــدا فـي حساب واحد، هو حساب القراءة والعلم والكرامة واإليثار حتى لو كان ثمنه النفس األخير في الحياة. عزيزتي غادة: أنـــا أقــــرأ اآلن ردود األفـــعـــال واالنــطــبــاعــات واآلراء حـــول مؤتمركم، أتابع بدهشة كيف تم نقاش تعقيدات التقنية الحيوية وعلم النانو تكنولوجي في مدينة صغيرة تمخر الطائرات سماء ها وتزلزل املدافع أرضها، دفاعًا عنكم يا جيل األمل، جيل الوطن، جيل املستقبل العظيم الزاهي. هذا وطنكم يا عزيزتي، حاولنا بكل ما استطعنا أن نقدم له األجمل واألصــــــــدق، وقــــد حــــان دوركـــــــم، فــاســتــلــمــوا رايـــــة الـــوطـــن بشموخكم وإصراركم وعلمكم وانتمائكم لوطنكم العظيم. لك ولزميالتك تحية بجمال عقولكم وأرواحكم.