Okaz

حرب الدبلوماسي­ني !

-

مــــن مـــظـــاه­ـــر الــــســـ­ـيــــادة إقــــامــ­ــة الـــــدول­ـــــة عالقات دبـــلـــو­مـــاســـي­ـــة، مــــع الـــــــد­ول واملـــنــ­ـظـــمـــا­ت الدولية األخـرى. وإن كانت إقامة السفارات والقنصليات الدائمة في عواصم الدول األخرى ومدنها، تقليدًا حديثًا تطور مع الدبلوماسي­ة الجماعية بعقد مؤتمرات القمة، التي واكبت ظــهــور الـــدولــ­ة الـقـومـيـ­ة الـحـديـثـ­ة فــي مـؤتـمـر صـلـح وستفاليا ..16٤8 وتــعــزز فــي مــا بـعـد باتفاقية فينا 181٥ عـقـب هزيمة نابليون فــي معركة واتــرلــو.. واكـتـمـل بـوضـع إطـــاره السياسي والقانوني امللزم، مؤخرًا، في اتفاقية فينا للعالقات الدبلوماسي­ة 18( أبــريــل .)1961 إال أن مــبــدأ ومــفــهــ­وم الــســفــ­ارة نــفــســه، بما يحويه من قيم وممارسات احترام العمل الدبلوماسي، تتعلق بــامــتــ­يــازات وحــصــانـ­ـات الــســفــ­راء لـضـمـان حـمـايـتـه­ـم، ومـــن ثم، كفاءة وفاعلية عملهم، قديم قـدم تاريخ العالقات الدولية، في ما عـرف بالدبلوماس­ية املتنقلة، التي كانت تأخذ شكل البريد الدبلوماسي بن قادة الدول. في املقابل: أيضًا، من ممارسات السيادة للدولة تقليص أعداد دبلوماسيي الــدول األخــرى في أراضيها، وإنهاء إقامتهم بها.. بـل وإغــالق سـفـارات وقنصليات الــدول األخــرى فيها، فـي حالة تعليق أو قطع العالقات الدبلوماسي­ة معها. وإن كانت إقامة الـعـالقـة الـدبـلـوم­ـاسـيـة مــع الـــدول األخـــرى تعني اعــتــراف الدول ببعضها، فقطع العالقات الدبلوماسي­ة ال يعني إنهاء اعتراف الدولة بالدولة التي قطعت عالقاتها الدبلوماسي­ة معها. بينما يقتضي العرف الدبلوماسي عـودة العالقات الدبلوماسي­ة بن الـــدول بـمـبـادرة الــدولــة الـتـي قطعت الـعـالقـا­ت ابــتــداء، وإن كان يقتضي ذلك - في كل األحــوال - عقد اتفاق ثنائي بن الدولتن املعنيتن بإعادة العالقة الدبلوماسي­ة بينهما. وإن كان قطع العالقات الدبلوماسي­ة يعني: وضع حد للعالقة الطبيعية والرفيعة بينهما، ولو مؤقتًا حتى تزول أسباب القطيعة الدبلوماسي­ة، فـإن التعبير عن تدهور العالقة بن الدولتن، ال يحتاج بالضرورة إلى اللجوء لقطع العالقة الدبلوماسي­ة بينها. دبلوماسيًا: فإن التوتر في العالقة بن دولتن أو أكثر يمكن أن يطال إجـــراءات مـا دون القطيعة الدبلوماسي­ة بينها، تبدأ من سحب السفراء، كثيرًا ما يبرر بالتشاور تفاديًا للتصعيد، إلى طرد السفير نفسه.. وتخفيض مستوى التمثيل ملا دون مستوى السفارة، للمفوضية.. أو قائمية باألعمال. في كل األحوال: يكون مثل ذلك السلوك املعبر عن توتر العالقة بـن الـــدول، يـأخـذ بـقـاعـدة: املعاملة باملثل. فكل إجـــراء مـن تلك املواقف، يستلزم عادة: إجراء مماثال متساويًا، ما عدا في حاالت نـــادرة، بــدواعــي التصعيد.. أو تـفـادي التصعيد، وفـقـًا ملـا يراه القائمون على السياسة الخارجية للدولة. في حالة التصعيد، ممكن الـرد على إجــراء سحب السفير، بطرد سفير الدولة التي سحبت سفيرها، من قبل الدولة املضيفة له. في حالة عدم الرغبة في التصعيد، ال تلجأ الدولة التي سحب سفيرها من أراضيها، لإلقدام على نفس اإلجراء، فتبقي على سفيرها في الدولة التي سحب سفيرها من أراضيها. فاملسألة، في النهاية سياسية، فيها الكثير من تقدير املوقف من الناحية السياسية، أكثر منه مسألة «كرامة» وطنية، كما يمكن أن يدل عليه مبدأ املعاملة باملثل. فــي الــفــتــ­رة األخـــيــ­ـرة، نـشـبـت أزمــــة دبــلــومـ­ـاســيــة بــن بريطانيا وروســـيــ­ـا، بـسـبـب اتــهــام بـريـطـانـ­يـا لــروســيـ­ـا، بتسميم العميل الـروسـي املـــزدوج السابق (سيرجي سكريبال) وابنته (يوليا) فــي أراضـــي اململكة املـتـحـدة. بسبب هــذا الـعـمـل الـــذي اعتبرته بريطانيا عدائيا، أقدمت لندن على طرد بعض الدبلوماسي­ن الــروس. وتفاديًا للتصعيد لم تقدم موسكو على إجــراء فوري مماثل، حتى اتسعت عملية طرد الدبلوماسي­ن الروس، تضامنًا مـع بريطانيا، لتشمل دوال غربية عــدة. املـالحـظ هنا فـي هذه الحركية املتبادلة الستخدام آلية طــرد الدبلوماسي­ن، لـم يتم بسبب إســاءة أولئك الدبلوماسي­ن وتجاوزهم ملهمات عملهم الدبلوماسي املتعارف عليه، بل جـاء بمثابة عقاب أو رد فعل عقابي التهام دولة بممارسة عمل معاد، بوصفه عمال جنائيا وغير أخالقي معًا، له أبعاد إستراتيجية خطيرة، مس السيادة البريطانية على أراضيها وأمنها.. وارتكب جرمًا يعاقب عليه القانون البريطاني. هـذا السلوك التضامني مع املوقف البريطاني من قبل حلفاء بريطانيا في معاهدة حلف شمال األطلسي يضفي بعدًا سياسيًا لألزمة بخلفياته اإلستراتيج­ية املحتملة، بتعريض أمن دولة في حلف شمال األطلسي للخطر، باستخدام غـاز محرم دوليًا للتخلص من مواطن متهم بالجاسوسية، من قبل االستخبارا­ت الروسية. هذا اإلجراء التضامني مع بريطانيا، من قبل حلفائها اإلستراتيج­ين في الناتو يعيد للنظام الدولي، حالة الصراع السرمدية بن الشرق والـغـرب، التي ظن الكثيرون أنها توارت بعد انهيار نظام الحرب الـبـاردة. فبريطانيا التي خرجت من املنظومة االقتصادية لالتحاد األوروبــي، نراها تلقى تضامنًا دبلوماسيًا وسياسيًا مـن الغالبية العظمى مـن دول االتحاد األوروبي، ومن الواليات املتحدة وكندا. لقد وجـدت إدارة الرئيس ترمب في األزمــة ما يبدو أنـه مخرج ملا يثار بسبب تدخل الـروس املزعوم في االنتخابات الرئاسية األخـيـرة، إلبعاد شبح تواطؤ حملة الرئيس ترمب االنتخابية مـــع الــــــرو­س، بــالــتــ­العــب بـــأصـــو­ات الــنــاخـ­ـبــن األمــريــ­كــيــن، في تلك االنـتـخـا­بـات.. بـل إن واشنطن زادت مـن إجـــراءات املقاطعة الدبلوماسي­ة مع موسكو، بغلق القنصلية الروسية في سياتل. ورد موسكو على ذلك بغلق قنصلية الواليات املتحدة في سان بطرس بيرغ. وتـبـقـى، فـي كـل األحــــوا­ل، وضعية الـعـالقـا­ت الدبلوماسي­ة بن الـــدول «الـتـرمـوم­ـتـر» األهــم الكاشف عـن مستوى الـعـالقـا­ت بن الـــــدول.. واملــقــي­ــاس األكــثــر إظــهــارًا لـحـالـة طبيعية الـعـالقـة بن الدول، من غيابها أو عدمها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia