هل تنطلق شعلة األمل من الظهران؟
رغم القلق املخيم في األجــواء العربية وحالة التوجس الشديد من املستقبل إذا ما استمرت األسباب التي أوصلت األوضاع إلى ما هي عليه، ورغــم الـصـورة الذهنية السلبية التي انطبعت لـدى املواطن العربي عـن مؤتمرات القمة، رغــم كـل شــيء فــإن اجتماع هــذا العدد مــن قـــادة الـــدول الـعـربـيـة ورؤســــاء املـنـظـمـات الــدولــيــة والــقــاريــة في مدينة الظهران للمشاركة في القمة العربية التاسعة والعشرين هو إنجاز في حد ذاته، فقد تدنى منسوب األمل كثيرًا باستطاعة العرب االجتماع بعدما تشتت شملهم، وتفرقت كلمتهم، وذهــب بعضهم في استقطابات خارج محيطهم العربي تستهدف أمنه واستقراره، وتعبد الطرق ألقدام الغرباء لبسط نفوذهم في الساحات العربية. الكلمات التي ألقاها املـشـاركـون فـي افتتاح القمة تكاد تتفق على تشخيص الــواقــع الــعــربــي، ووصـــف الــســوء الـــذي بـلـغـه، واألخطار املحدقة بـه، ولكن مــاذا بعد، مــاذا بعد املعرفة واالعــتــراف بالواقع، هذا هو السؤال املهم الـذي نتمنى أن يجيب عليه املشاركون خالل جلسات أعمالهم، وأن تكون اإلجـابـة برنامج عمل تنفيذيًا وليس تنظيرًا ينتهي بانتهاء القمة. هـنـاك إجــمــاع عـلـى مـحـوريـة القضية الفلسطينية وحــل الدولتني ومـــوضـــوع الـــقـــدس، لــكــن هــنــاك خــلــل فــي بــعــض مــكــونــات القضية يساعد على إضعافها ويسهل املهمة لألطراف التي تريد استمرارها بال حل، واستمرار معاناة الشعب الفلسطيني، وفيما يخص األزمة السورية فإنه معيب جدًا أن تتداول حلها أطراف خارجية وتصبح مسؤولة عنه في غياب تام ألي طرف عربي فاعل. أما األزمة اليمنية واإلرهاب واضطراب األوضاع العراقية وكذلك السورية والتدخالت في الشؤون الداخلية فإن النظام اإليراني هو املسؤول الرئيسي عن ذلك، وبتغافل متعمد من املنظمة األممية واملجتمع الدولي والدول دائــمــة الـعـضـويـة فــي مـجـلـس األمــــن، وأيــضــا فـقـد ظـهـر طـــرف آخر، الطرف التركي، بتدخالت سافرة في الشأن العربي وتعديات ظاهرة على األرض العربية، واحتضان لتنظيم إرهـابـي يعيث فسادا في بعض الـدول لزعزعة استقرارها، والساحة الليبية شاهد حي على ذلك. وكل ما يحدث اآلن ليس إال تمهيدا ملا هو أسوأ إذا لم يتم تدارك األمور بشكل شجاع وحاسم. ليس األمـن القومي العربي هو املهدد فقط، بل إن الوجود العربي في بعض أجزاء العالم العربي مهدد بالتالشي، وإذا ما سمح بذلك فــســوف تـتـسـع دائــــرة الــخــطــر وســنــرى أحــجــار الــدومــيــنــو تتساقط بالتتابع. لـذلـك، نـرجـو أن تتحول شعلة الـضـوء الـتـي انبثقت من الظهران يوم أمس إلى وهج يشع في ضمير القادة العرب ليتحملوا مسؤوليتهم أمام شعوبهم وأمام التأريخ.