الرياض الكبيرة دائمًا
ملـاذا تعقد القمة العربية على ضفاف الخليج العربي، وملاذا تـخـتـتـم مــتــزامــنــة مــع انــتــهــاء مـــنـــاورات وتــدريــبــات عسكرية ضخمة ضمت عدة جيوش إسالمية وعربية، وما هي الرسالة التي تريد إيصالها اململكة ملن يلقي السمع ويعي في الضفة األخـرى من الخليج. مــن املــؤكــد أن الــريــاض ال تــهــرول عبثًا، فاملنطقة الشرقية ال تختلف عن الــريــاض أو جــدة مــن حـيـث اإلمــكــانــات والــقــدرة عـلـى االســتــضــافــة، إال أن الرسائل أعمق وأكبر من ذلك بكثير. أوال.. تؤكد الرياض على أنها البوابة الشرقية للفضاء العربي الذي تتحطم عند أطرافه طموحات وخطط ومؤامرات إيران والدول الصغيرة املنخرطة في مشروعها. ثانيًا.. تقول إن جهدها الدبلوماسي هو األساس في تعامالتها مع اآلخرين، لكنها في الوقت نفسه ستكون حذرة وقوية وتمضي في خط مواز لتعزيز تدريباتها العسكرية ومناوراتها املشتركة ولـن تترك للغادرين مساحة للخيانة. ثالثًا.. تدعو العالم الحر ألن يقف معها على «خط املـاء» الشرقي، بعدما حاولت طهران تحويله لبحيرة إرهاب منذ العام 1980 وحتى اآلن، وهي من أسقطت أول مشاريعها في البحرين إثر تدخل قوات درع الجزيرة، وثاني مشاريعها في اليمن، وقادرة على إسقاط أي مشروع إيراني تخريبي آخر. مـا يحصل الـيـوم فـي قمة الــدمــام يـذكـرنـا بـالـريـاض الكبيرة دائــمــًا، فهي تتعامل من مواقف الكبار، تفتح األبواب وترفع األعالم للجميع حتى ولو كانوا صغارًا جدًا جدًا، وعندما تشرع بيتها وال تفصله ألقزام وكبار. قبل 50 عـامـًا تــنــادى الـعـالـم الـعـربـي لعقد قمة عاجلة فــي الـخـرطـوم إثر الهزيمة املريرة أمـام إسرائيل العام ،1967 االنكسار كان كبيرًا والنتائج على السياسة والجغرافيا كارثيةp إذ احتلت تل أبيب سيناء والجوالن والضفة الغربية بما فيها القدس في 3 دول عربية دفعة واحدة. كانت العالقات بني السعودية والزعيم املصري الراحل جمال عبد الناصر خــالل الستينات امليالدية فـي أســوأ أوضـاعـهـا، فالرئيس املـصـري كــان له رؤيــتــه الـخـاصـة للعالم الـعـربـي، بينما كــان الفيصل يـؤمـن أن لكل دولة تفاصيلها الداخلية وهي أعرف بمصلحتها من غيرها. توسع الخالف للحد الذي انخرطت فيه القاهرة لدعم قوى سياسية يمنية مناهضة للمملكة، ووصـل األمـر إلـى أن الطائرات املصرية كانت تقصف مدنًا حدودية سعودية بقنابل النابالم. عقدت القمة العربية الطارئة فـي الخرطوم ودمــاء السعوديني لـم تجف، ودفع السودان ألن تكون قمة لرأب الصدع بني البلدين الكبيرين وملعالجة املوقف الذي كان متضررًا بشكل كلي، وخالل النقاشات تحدث عبد الناصر في كلمته عن األزمــة االقتصادية الطاحنة التي تمر بها بـالده، وحاجته امللحة للتمويل إلعادة بناء جيشه الذي تحطم خالل الحرب. يقول الكاتب والشاعر املصري الكبير فاروق جويدة، في روايته التاريخية ملا دار في كواليس القمة.. بعد نكسة 1967 عقدت قمة الخرطوم لهدف واحــد فقط هـو دعـم مصر واملجهود الحربي وإعادة بناء جيشها، كانت مصر تحارب السعودية في اليمن، وكـان الخالف مع امللك فيصل عميقًا جـدًا، إال أن األمـر تغير تمامًا داخـل القمة، فبعد مداخالت وكلمات امللوك والـرؤسـاء الذين تحدثوا عن ضرورة دعم مصر، وجد الرئيس املصري عبد الناصر نفسه محرجًا، وقال موجهًا كالمه للملك فيصل يا جاللة امللك «اللي تشوفوه»، فأجابه امللك فيصل فورًا.. يا فخامة الرئيس، مصر تأمر وال تطلب وقد كان. هذه هي الرياض، لم تنظر إال ملصالح مصر، كانت تؤمن أن سقوط أي بلد عربي أخطر وأكبر بكثير من أن تعرقل األخطاء وقوفها بجانبه، وعلى الرغم من أنها ال تسمح ألحد بالتدخل أو التعدي على شأنها الداخلي أو ينخرط في أي مشروع يهدد أمنها واستقرارها، إال أنها كانت قادرة على الفصل بني خالفاتها ومواقفها من أشقائها إذا أملت بهم امللمات.
* إعالمي وكاتب سعودي