Okaz

التربية عبر منح الثقة

-

حـتـى ال يـسـاء الـفـهـم مــن غـيـور أو متحمس، فـإنـنـي ال بــد أن أؤكـــد، قبل الــشــروع فـي الـفـكـرة، أنـنـي أدرك أن لدينا مـن التعاليم الدينية والقدوة الحسنة العظيمة والقيم االجتماعية ما يغنينا عن االستشهاد بغيرنا أو تطبيق تجاربهم، لكن عبارة «وجدت إسالما ولم أجد مسلمني» تتجسد كثيرا عندما تزور بلدا غير مسلم، وترى على أقل تقدير أنهم ال يندمون كثيرا على الثقة باآلخر وكأنه مسلم ملتزم بتعاليم هذا الدين العظيم الذي يمثل منهج حياة آمنة مطمئنة سليمة، لو طبقت تعاليمه!. عـنـدمـا أســافــر ولـــو فــي مـهـمـة علمية أو عـمـل أحـــب أن أجـــرب الخدمات العامة التي يستفيد منها مواطن البلد البسيط الكادح وخاصة في أهم العناصر التي يحتاجها اإلنسان بما يحقق احترام إنسانيته، وأعتقد أن أهم هذه العناصر على اإلطالق توفير دورات مياه عامة تحترم الحاجة اإلنسانية لهذا املخلوق الراقي والخدمات الصحية التي تحترم حقه في عالج آالمه وعالج إصاباته ورعاية صحته (ليس من بني هذه األساسيات ال نفخ شفايف وال إزالـة شعر بالليزر) وخدمات النقل العام التي تغني عن امتالك سيارة، ناهيك عن قيادتها، وتعليم مجاني في بيئة نظيفة تشتمل على كل ما يحترم إنسانية الدارس وحريته. هـذه األيــام أحضر مؤتمرا دوليا للسموم في بيلغراد عاصمة صربيا، وبـعـد سـاعـات مـحـاضـرات ونـقـاشـات املؤتمر الطويلة، أجــرب مـا ذكرته سابقا، ومــن ضمن مـا جـربـت التنقل مشيا على وسيلة نقلي الخاصة (األقدام) أو بوسائل النقل العام (الحافالت والترم). في األولى وجدت احتراما للماشي على قدميه أو من يركب دراجة في حق العبور والسير اآلمن واحترام املسارات، لكن ذلك ليس موضوعنا في هذه العجالة، فما يهمني، ونحن مقبلون على مرحلة نقل عام مبشرة بالقطار األرضي والحافالت هو حجم الثقة الكبيرة التي يمنحونها للراكب بما يكفل تربيته على الثقة حتى يصبح على املدى الطويل (موثوقا) وأهال للثقة. تركب الحافلة ببطاقة مسبقة الدفع (رخيصة جـدا) ومن مميزاتها أنك تـدفـع بها للمشوار األول ثـم لـك أن تـركـب مجانا خــالل الساعة ونصف القادمة دون أن تمسح البطاقة على الجهاز حتى ال يخصم من رصيدك، أي تتنقل مجانا خالل ساعة ونصف تكفي للتغييرات والعودة السريعة، لذا فقد الحظت أن كثرا يركبون دون مسح البطاقة على الجهاز أو دفع للسائق!، أمــا مـا يحدد أنــك فعال تحمل بطاقة واستخدمتها للتو فهو الثقة مع رقابة طفيفة مفاجئة. تـسـاءلـت فــي داخــلــي عــن الــســر فــي هــذه الـثـقـة الـعـمـيـا­ء الــتــي قــد تستغل وتخسر مؤسسة النقل، فأدركت دون عناء تفكير أنها خسرت في البداية، لكن البلد كسب ثقة املواطن وانتماء ه ثم كسب تربيته على الثقة ثم ربحت مؤسسة النقل ألن الغالبية تدفع وال تغش!.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia