اليمنيون بني تقريرين
عند انتهاء فترة عمله مبعوثا أمميا في اليمن قــدم املـوريـتـانـي الـسـيـد إسـمـاعـيـل ولــد الشيخ تـقـريـره الختامي نهاية شهر فـبـرايـر مـن هذا العام، ويوم الثالثاء املاضي 17 أبريل قدم خلفه البريطاني مارتن جريفيثس أول تقرير له عن مشاوراته مع األطراف املعنية يمنيا في الداخل والخارج وإقليميا وكذا مع عدد من فئات املجتمع من النساء الالتي أشاد بما طرحن من أفكار (بأكبر قدر من الوضوح واإلسهاب)، والشباب، والساسة. في تقريره األخير قال ولد الشيخ: «إن ما ينقص هو التزام األطراف بتقديم التنازالت وتغليب املصلحة الوطنية.. وأال ننسى أن هـنـاك سياسيني مـن كـافـة األطـــراف يعتاشون من تجارة السالح واستغالل األمالك العامة ألغراض شخصية». جــريــفــيــثــس فـــي تــقــريــره األول أعــلــن «أن الــحــل السياسي لـوضـع حـد لـهـذه الـحـرب هـو فعليا مــتــاح»، وأوضـــح بشكل جلي الحاجة إلـى وضـع جنوب اليمن كجزء أصيل مـن أي مفاوضات قادمة. اتــفــق املــبــعــوثــان عــلــى أن املـشـكـلـة لـيـسـت فــي عـــدم وضوح مــحــددات فــرص الـسـالم وال الـخـطـوات الـتـي يـعـرف الجميع مسارها، لكن اليمنيني، كـل اليمنيني، يعلمون علم اليقني أن قــادة الـحـرب األهلية وممثليهم الحزبيني والسياسيني أخــرجــوا هــذه الــحــرب العبثية املــدمــرة عــن أهـدافـهـا املعلنة وصــــارت مــصــدر ارتـــــزاق وتــكــديــس ثــــروة، ووســيــلــة انتقام واسترجاع حق مزعوم عند أغلبهم. صــار الـشـأن اليمني حـاضـرا ومعه أحــوال اليمنيني فـي كل املحافل اإلقليمية والدولية كقضية إنسانية تتقدم أهداف املتقاتلني، في الوقت الذي يغيب هذا البعد عن املتحاربني املـحـلـيـني، ويـكـفـي أن نستمع إلـــى وســائــل اإلعــــالم اليمنية مـن الطرفني وهــي تفاخر بــأعــداد القتلى مـن (االنقالبيني) و(املـرتـزقـة)، لكن ما يغيب عن أذهانهم أن هـذه األفـعـال قد طـالـت كـل بيت يمني بعيد عـن سـاحـة املــعــارك وأغراضها، وصــار مـن الصعب النظر إلــى مستقبل ال يحمل معه آثارا مــدمــرة عـلـى مــا تبقى مــن خـيـوط تـمـاسـك املجتمع اليمني إنسانيا. األطــراف اليمنية املتحاربة حولت الحرب إلى ساحة كبرى مـــن تـــبـــادل املـــنـــافـــع، والـــكـــل يــعــلــم عـــن الــشــبــكــات التجارية واملصالح املالية التي تربط بني بعض املسؤولني (الشرعيني) و(االنـقـالبـيـني) وممثليهم مـن رجــال األعــمــال، والـتـي تعمل بهمة ونشاط وتحت حماية الطرفني على تنامي املكاسب الذاتية. وتتنازع قيادات حملة السالح اليمنيني رغبات متضادة ال يجمع بينها سـوى األحـقـاد واألخــذ بالثأر واألطـمـاع تحت شـــعـــارات وطـنـيـة لــم يـعـد املــواطــنــون يـكـتـرثـون كـثـيـرا لها، فثالث سنوات من الحرب ونحن ندخل في عامها الرابع، لم تزد الناس إال يأسًا من الذين يرفعون شعارات كاذبة وإلى جانبها السالح، حتى صار اليمني فاقدا ثقته ولم يعد يعول على أي إنجاز يعود عليه بالنفع واألمان. مـا عرضه السيد جريفيثس مـن مالمح خطة يمكن لها أن تــؤدي – في رأيــي – لوقف هـذه الـحـرب، تعتمد بشكل كبير على ما طرحه وزير الخارجية األمريكي السابق جون كيري في نهاية العام .2016 خطة كيري لم تكن حال سحريا، لكنها كانت تشكل تحركا بعيدا عـن الـنـصـوص الـتـي يعترف املجتمع الــدولــي بأنها صارت واجبة التعديل، وسيكون من السذاجة التعويل على قــرارات مجلس األمــن التي لم تسترجع حقا ضائعا واحدا لم تسنده إرادة دولية قوية وقبل ذلـك إرادة وطنية ترتفع بالبلد فوق املصالح الشخصية. السؤال الـذي ال يجد اليمني وربما العالم جوابا مقنعا له عند قـادة الحرب األهلية: مـاذا أبقيتم لألجيال القادمة من أمل يعيشون على ضوئه؟.