عن احلقوق والواجبات
إذا ســألــت عـــن أخــــالق الـــنـــاس لـسـمـعـت شــكــوى عــامــة مـــن تغير الـنـفـوس، وتــراجــع عـــادات وتـقـالـيـد عشنا عبقها مــع أهـلـنـا آباء وأجـــــدادا وكــانــت حـاكـمـة للصغير والـكـبـيـر كـحـقـوق وواجبات، وقيم األسرة وأخالق الحارة، واحترام الحقوق العامة والخاصة والتزام آداب الحوار، وجميعها من جوهر وتعاليم ديننا السمح الحنيف، ومن الحكم في ذلك «قبل أن تحدثني عن تعاليم الدين والقيم، دعني أراها في سلوكك»، و«البرتقالة ال يخرج منها سوى عصيرها وكذلك اإلنسان يكون على ما نشأ وتربى». خالصة ما سبق أن األخالق والقيم أساس بناء املجتمع، والنسيج االجتماعي ال يقوى إال بالتعايش بني الجميع بغير سوء، وهذا هو التحدي الذي تواجهه البشرية في زمن اإلنترنت من تغير هائل في األخالق العامة، وغلبة (األنا) عند البعض والتحزب الفكري، وحروب داحس والغبراء على شبكات التواصل اإللكتروني التي تحولت إلى بيئة خصبة للشحناء والبغضاء، وكأن الحوار لغة ومبدأ لم يعرف من قبل، مثلما يضيق التشدد واالنغالق ويجعل الــصــدور والـعـقـول أضـيـق مــن ســم الـخـيـاط، نـاهـيـك عــن اإلرهاب الــغــادر الــذي يـسـيء أوال إلــى الـديـن الحنيف أكـثـر مما يـسـيء له األعــــداء ويــتــزايــد شـــرره فــي الــعــالــم، لــوال حكمة الـحـكـمـاء وحزم الحازمني في وأد شرور الفنت من بذورها وجذورها وتربتها. اإلســالم مدرسة عظيمة لثقافة الحياة السوية ونبع للقيم، وما أعظم تعاليمه السمحاء للتسامح والتراحم والترابط كالبنيان املرصوص يشد بعضه بعضا باملودة والتراحم واحترام الرأي، ولكن لألسف باتت املجتمعات تشكو من تسرب القيم األصيلة بــمــتــغــيــرات هــــذا الــعــصــر، حــتــى تــقــنــيــات االتـــصـــال والتواصل االجتماعي والهواتف الذكية رغم نفعها، باتت تغتال التواصل الحقيقي وتسرق الوقت في العلم والعمل وتهدم الخصوصية. إن سيرة اإلنسان تعيش أكثر من عمره فهل نترك بصمة مضيئة لها. أال يستحق ذلك وقفة صادقة إلعادة بناء وترتيب أولوياتنا ومسؤولياتنا التربوية؟ قــال تعالى: «وقــل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله واملؤمنون». فاستقامة الحياة تقوم على الحرية املــســؤولــة، وفـــي املــاضــي كــانــت املـجـتـمـعـات أكــثــر إدراكـــــا ملعنى الحرية االجتماعية املـسـؤولـة، وعليها يـربـون األبـنـاء ويديرون شـــؤون الـحـيـاة، واالحــتــرام فــي الـسـلـوك والـكـلـمـة واملـظـهـر، وهذا الفهم للحرية نـشـأت عليه أجــيــال وأجــيــال قبل أن تفتح الدنيا أبواب العوملة، وانقلبت مفاهيم الحرية واختلط الجميل من القيم بالقبيح من اإلساءات واملرفوض من األقنعة الزائفة على الشبكة العنكبوتية. ال حرية دون مسؤولية، وإال تصبح مفسدة مطلقة، وغياب الحرية املسؤولة يعني تجاوز الضوابط الذاتية واألخـالق العامة وبكل مــا ينظم الـحـقـوق والــواجــبــات، وفــي الـحـديـث الـشـريـف «عاملوا الـنـاس بمثل مـا تحبوا أن تعاملوا» وتلك هـي القواعد األسمى للفضائل، وكما تقول العبارة الشهيرة «حريتك تنتهي عندما تبدأ حرية اآلخـريـن» ودون ذلـك يسود قـانـون الـغـاب بالفوضى وجـهـاالت الفنت على شبكات التواصل ليست بخافية على أحد بكل اللغات. بالقطع األجيال الجديدة ال نلومها بالكامل، بل نلوم أوال التقصير في حقهم من األسرة ومن املجتمع وحالة الفراغ النفسي والذهني حـتـى أصــبــح الـكـثـيـرون أســـرى للعالم االفــتــراضــي بـكـل مشاكله وسيئاته قبل إيجابياته التي ال نرى لها أثرا على األخالق وكسب املعرفة النافعة. كل هذا من صغائر األمور وكبائرها ترتكب باسم الــحــريــة، فـهـل أدرك هـــؤالء حــدودهــا ومـعـنـاهـا ومـسـؤولـيـتـهـا أم سيظل مفهومها عند البعض حقا مطلقا على شبكات التواصل.