حني تضطر وزارة التعليم لتجرع السّم

يـبـدو أن وزارة التعليم قـد اضـطـرت إلــى الـقـبـول بأخف الــضــرريــن وذلـــــك حـــن شـــــددت فـــي خــطــاب وجــهــتــه إلى كــافــة مـؤسـسـاتـهـا التعليمية تـطـالـب فـيـه بتحييد تلك املؤسسات عن الدخول في أي سجاالت فكرية أو سياسية أو عقدية مما يدور في الساحة اإلعالمية أو على مواقع التواصل االجتماعي، ولـم تكن الــوزارة لتتخذ مثل هذا الــقــرار الصعب لـو أنـهـا كـانـت تثق فـي قــدرة منسوبيها على توجيه وإدارة الــحــوار بـن إدارة هــذا الــحــوار على نــحــو يــصــب فـــي مـصـلـحـة الـــوطـــن ويـــرســـخ مـــا تنتهجه الدولة من خطوات في مجال تكريس النظرة الصحيحة لإلسالم السمح، ومما يؤكد حق الــوزارة في هذه الريبة من عـدم قـدرة منسوبيها على إدارة مثل هـذا الحوار أن قرارها ذلك جاء في أعقاب ما شهدته إحدى مدارسها من نشاط شاركت فيه طالبات مدرسة متوسطة بدا من خالله تدريب طالبات على نموذج من املسيرات ورفع الشعارات مطالبات بتكريس عـادة لبس العباءة على الــرأس على أنها هي الشرع القويم رغم صدور فتاوى توضح أن غاية الدين إنما هو تحقيق الستر الــذي ال يشترط فيه لبس معن أو وضع محدد. قرار الــوزارة بتحييد مؤسساتها التعليمية من الدخول فــــي الـــســـجـــاالت الــفــكــريــة قــــــرار صــعــب فــهــي إذ تحمي مؤسساتها مــن أن يستغلها أصــحــاب الــهــوى مــن فلول زمـن ما عـرف بالصحوة وبقية أتباع اإلخــوان املسلمن واملتأثرين بهم فإنها في الوقت نفسه تلغي دورا هاما من أدوار التعليم وتهمش وظيفة كبرى للمؤسسة التعليمية تتمثل فــي كـونـهـا الـحـاضـنـة األولـــى الــتــي يــتــدرب فيها الطلبة والـطـالـبـات على الــحــوار فيما يهم الــشــأن العام كي يكونوا على استعداد لالنخراط فيه إذا ما تخرجوا فيتمكنون بما اكتسبوه من قدرة ومهارة على تصحيح مسار الحوارات وتوجيهها الوجهة السليمة. قــرار الــــوزارة الــذي وجــدت نفسها مضطرة إلــى اتخاذه قرار صعب وخطير حن يشمل الجامعات كذلك، وهو ما يطرح تساؤال عما إذا لم تكن هناك من وسيلة للوزارة ومـا تشرف عليه من جامعات تمكن من تصحيح مسار الحوارات داخل الجامعات دون حاجة إلى التشديد على تحييد الجامعات عن دور هو من أكثر أدوارهـــا أصالة ووظيفة هي من أشد وظائفها أهمية. وزارة التعليم اتخذت هذا القرار كمن يتجرع السم فهي تـــدرك أن تـخـلـي مـؤسـسـاتـهـا، وعــلــى رأســهــا الجامعات، عن تمرين وتدريب الطالب على التفكير الحر والنقاش السليم أخــف ضـــررا مــن تــرك تلك املـؤسـسـات التعليمية فريسة لبقايا الصحوين واإلخونجية.