Okaz

التواصل االجتماعي واستزراع الوعي

-

ال أعلم إذا ما كان هناك أمة قد تناقلت كمية هائلة مغلوطة مـن املعلومات أكـثـر مـنـا، وال أظــــن أن هــنــاك شــعــوبــ­ا أكــثــر مــنــا قـــد أدمنت التعامل مع مفردات مثل «إعادة توجيه، إعادة تغريد، انسخ والــصــق،...» فـي كافة وسـائـل التواصل االجتماعي بــدءًا من طيبة الـذكـر - املـنـتـدي­ـات، مـــرورًا بـالـواتـس آب وتـويـتـر، إلى أن يشاء الـلـه. بالطبع كـل هــذا غير مصطلح «انـشـر تؤجر» الذي ال ينازعنا عليه أحد وال ينافسنا من دونه ال جان وال بشر، والذي تم ويتم استخدامه غالبًا بشكل انتقائي وسلبي بشكل كبير. يؤمن الكثير منا أن العقل البشري مستهدف في عصر اإلنترنت وخصوصا من وسائل التواصل االجتماعي العديدة واملتنوعة واملتوفرة التي تأتي إليك قبل أن تذهب إلـيـهـا. هــذا العقل الـــذي -مــن حـسـن حظه وربــمــا مــن سوئهيــغــ­رف مـــن خـــزانـــ­ات ضــخــمــة جــــدًا مـــن املـــعـــ­ارف والحقائق والبيانات والخرافات والشائعات وبالتالي وقـع في شراك ما يسمى بفرط املعلومات. ولكن مثلما أن املعارف واملهارات (اإليـجـابـ­يـة) ترتقي بالعقل وتسمو بالفكر، فــإن الخرافات والشائعات تفتك بهما وتوهن التفكير وبالتالي طرد األفكار الجيدة في نهاية املطاف. وإذا أخذنا تطبيق الـواتـس املشهور مـثـاال، فإنه في خضم الصراعات الفكرية والنزاعات السياسية واالجتماعي­ة، نجد أنـه أصبح مــالذًا للحركيني ومسرحًا للناقمني يحركون به أدواتهم وأتباعهم، مستفيدين من طبيعة التطبيق لتمرير املغالطات ورمــي األفـكـار الرديئة وإعــادة تـدويـر الشائعات املغرضة القائمة على تجهيل وتحريش وتجييش العامة أو توجيهها لفئة محددة. ال شك أن مطاردة الشائعة عملية منهكة جدًا لإلنسان وضارة للعقل البشري، ولهذا أعتقد أن الـقـارئ الفطن يعي أنــه: «عندما تطاردنا الشائعة فهذا قد يـكـون ابــتــالء، ولـكـن عندما نـقـوم نحن بـمـطـاردة الشائعات والبحث عنها فهذا هو الغباء بعينه ابتداء، وقد يكون الخطر بــذاتــه انــتــهــ­اء». ال خــالف أن انـتـشـار الـشـائـعـ­ات هــو نتيجة مباشرة الضمحالل الوعي الفردي واملجتمعي، وفي الوقت نفسه سبب له كذلك، وهـي أكثر األدوات التي يراهن عليها األعــداء والخصوم سـواء على مستوى الفرد أو املجتمع في تشتيت األفكار وتشويه اآلراء وهز الثقة بمسلمات مجتمعية ووطنية وتأصيل صـور نمطية سلبية ألجـل أن تستقر في العقل الباطن للمتلقي. لـعـلـي هــنــا أذكــــر نـقـطـة مـهـمـة ومــثــاال واقــعــيـ­ـا حـــول الوعي واالسـتـخـ­دام الجيد لوسائل الـتـواصـل االجتماعي؛ النقطة متعلقة بــالــدور الكبير و(الـحـقـيـق­ـي) الـــذي يـجـب أن تلعبه مؤسسات التعليم العالي في اسـتـزراع الفكر لـدى طلبتها؛ فــاملــدة الـزمـنـيـ­ة الــتــي يقضيها الـطـالـب فــي الـجـامـعـ­ة وقبل ذلك التوقيت العمري الحرج في تجهيز عقل الطالب نفسه باألدوات السليمة واملهارات الالزمة للتفكير، تذهب جميعها إلى نتيجة مفادها أن هناك هدرًا ضخمًا وفرصًا ضائعة في تشكيل وعي مجتمعي في هذه الفترة العمرية الحرجة لعدد هائل من البشر في مؤسسات التعليم العالي. أما املثال فهو يحمل طرافة وأداة حقيقية لتشكيل الوعي حـول موضوع أو بلد معني من خالل متابعة ورصد املعلومات وتصحيح املغلوط منها بشكل مهني وتفصيلي ومهذب. هنا -عزيزي الــقــارئ- أتـحـدث عـن حسابي دولــة السويد ودولــة النرويج في تويتر، اللذين يتابعان املعلومات ويرصدان النقاشات الدائرة باللغة العربية، ويقومان بتقديم معلومات واضحة حــيــالــ­هــا بــشــكــل أكــســبــ­هــمــا شـعـبـيـة وثــقــة ومــصــداق­ــيــة لدى املغردين. ذكرت أنه يحمل طرافة ألن بداية الحسابني كانت ردة فعل لشائعات مـنـشـورة وآراء مغلوطة عــن تلك الدول قـام بتسويقها بعض من أبناء جلدتنا، وهـم على كل حال يقومون به بشكل متكرر في قضايانا املجتمعية ويجابهون مـن وقــت وآخــر بـــردود كـاشـفـة، ولكنهم سـرعـان مـا يهربون إلى وسائل تواصل اجتماعية أكثر انتقائية وبالتالي أكثر هشاشة واحتمالية أكبر لالستفراد بعقل املتلقي. يقول ستيفن كوفي «كـل إنسان لديه أربـع ملكات أو هبات: الــوعــي، الضمير، اإلرادة املستقلة والـخـيـال الــخــالق».. لكن عندما يتحول اإلنسان إلى مجرد آلة تدوير ذاتية ملا يصله من اآلخرين أو يصنعها كما يقال بالعامية (من كيسه) فإنه حتمًا سيفقد أغلب هذه امللكات األربع - إن لم يكن قد فقدها بالفعل كلها.

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia