Okaz

شابت على أرضه الليالي !

-

يقول الحق سبحانه وتعالى «ونــادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه األنهار تجري من تحتي أفـا تبصرون»، أكد املـفـسـرو­ن أنــه نهر النيل وفــروعــه املـتـعـدد­ة تـجـري كلها من تحت قصور فرعون ومـن بني يديه ومـن تحت قدميه وذلك مـن بــاب الفخر والـقـوى والتمكني، فكأن نهر النيل بفروعه وروافــــد­ه مـصـدر عـزتـه وقــوتــه. قــال عـالـم الـتـاريـخ اليوناني هيرودوتس قبل املياد بخمسمئة عام إن «مصر هبة النيل»، وذلــــك عــنــد زيـــارتــ­ـه ملــصــر ومــعــايـ­ـشــتــه ألهــلــهـ­ـا وتــدويــن­ــه ملا يجري من األحداث وأحوال الناس مؤرخًا للمشاهد واملواقع والــعــاد­ات والتقاليد والـحـضـار­ة القائمة على ضفتيه، وقد وجــد املــؤرخــ­ون مكتوبًا على أوراق الــبــردي، تعريفًا للنيل وفضائله وتمجيدًا لعطائه كتبها قـدمـاء املـصـريـن­ي: يقول بعضها «السام لك أيها النيل يا نابع من بطن األرض آتيًا ملصر لتعطيها الحياة»، وقـد احتفل قدماء املصريني بعيد أسموه «وفاء النيل»، ويعني أن النيل قد أعطى ما يكفي من مـائـه لتستمر الـحـيـاة ويخضر الـــوادي ويـعـم الـخـيـر، وهذا االحـتـفـا­ل ارتـبـط بـأسـطـورة أجــزم بـعـدم صحتها ال تتوافق مـــع الــعــقــ­ل واملــنــط­ــق، فــهــي مـــن تــخــرصــ­ات املـــؤرخـ­ــني؛ تقول الخرافة إن «نهر النيل ال يجري إال إذا أهدى إليه أهل مصر عروسًا بكرًا يومًا في السنة يلقونها فيه فيبتلعها ثم يجري راضـيـًا»، حتى أبطل سيدنا عمر هـذه العادة بـأن أمـر عمرو بن العاص والي مصر آنذاك أن يلقي ببطاقة إلى نهر النيل مذيلة بتوقيعه يحذره فيها من مغبة فعله هذا، محذرا النهر بـأنه لن تكون هناك عـروس تهدى إليه وأنـه يجري بقضاء الله وقــدره. فأبطل عمر هـذه الـعـادة وجــرى النيل من سنته دون «صبية» تهدى وحتى اليوم. قـــدس املــصــري­ــون الــقــدمـ­ـاء الــنــيــ­ل ومــنــحــ­وه صــفــة األلوهية وسـمـوه «اإللــه حـابـي». يقول املــؤرخ جمال حـمـدان إن مصر تــجــمــع بـــني أمـــريـــ­ن املـــوقــ­ـع واملــــوض­ــــع، فــاملــوق­ــع قــلــب العالم واملـوضـع هبة النيل، ويصف ابـن بطوطة نهر النيل بقوله ونيل مصر يفضل أنـهـار األرض عـذوبـة فـي مـذاقـه واتساع قطره وعظم منفعته وليس في األرض نهر يسمى بحرًا غيره، لقوله تعالى (فإذا خفت عليه فألقيه في اليم) فسماه الله يمًا وهو البحر. ويقول املؤرخ ابن خلدون عن نهر النيل قد مثل بشاطئ بحر النيل نهر الجنة ومدفع مياه السماء يسقيهم النهر والعلل سيحه ويحمل إليهم الثمرات والخيرات ثجه، وقـد خاطب أمير الشعراء أحمد شوقي نهر النيل بقصيدة يقول فيها: من أي عهد في القرى تتدفق، وبأي كف في املدائن تغدق، ومن السماء نزلت أم فجرت، من عليا الجنان جداوال تترقرق؟ وقـد عبر اإلنسان املصري عن حبه لنهر النيل الخالد ألنه يفيض على األرضني ويقصد بها «الوجه القبلي والبحري»، فتمتلئ مــخــازن الــحــبــ­وب وتــزدحــم املــســتـ­ـودعــات وتتوافر حــاجــات الــفــقــ­راء، إنــه النيل ألبـنـائـه جميع الـنـبـاتـ­ات.. وإذا هو لم يطعم الناس هجر النعيم املساكن وأصيبت األرض باالضمحال، وقد غنى عبدالوهاب رائعته «النهر الخالد»، مرددًا بأنه واهب الخلد للزمان وأنه ساقي الحب واألغاني. يقطع النهر رحلة تمتد عبر الكون 6640 كيلو مترًا نابعًا من وسط أفريقيا حتى يصب في البحر األبيض. والسؤال املحير ملـاذا ال يستفاد من تدفق مياه النيل وجريانه حتى االسـكـنـد­ريـة، مانحًا أراضـــي مصر خـيـرات مـن كـل الثمرات حتى يصب في البحر األبيض املتوسط، فلماذا ال يتم بناء ســـدود فــي منطقة رشــيــد ودمــيــاط نـهـايـة مــســار الـنـيـل قبل أن يصب فـي مـيـاه البحر تستفيد منها مصر الستصاح األراضــــ­ـــي الـــصـــح­ـــراويـــ­ة وتـــأمـــ­ن غــائــلــ­ة الــعــطــ­ش والجوع. ويـبـلـغ عــرض املــجــرى الـرئـيـسـ­ي للنيل 750 مــتــرًا، وللنيل ذاتـيـة خاصة أعطته معالم شخصية يتميز بها عـن غيره مـن األنـهـار فـي العالم، فهو يمتد مـن الجنوب إلــى الشمال فـي استقامة غير عـاديـة مـن الناحية النسبية فـي مخالفة ألنــهــار الـعـالـم أجـمـع والــتــي تـجـري مــن الــغــرب إلــى الشرق، وللنيل رحلة طويلة تمر على مناطق مناخية مختلفة تبدأ باالستوائي ثـم املــداري والـصـحـرا­وي انتهاء بمناخ البحر األبيض، وكل منطقة تتميز بطبيعتها النباتية والبشرية وتشترك جميعها في رباط واحد هو نهر النيل الذي يتيح لسكان املناطق الحياة بطعامها وشرابها، والنيل كان ملهم ومعلم املصريني صنع الحضارة ومن أجله تعلموا الكتابة والحساب والهندسة وعلم قياس األرض، فكان النيل ومجراه وفيضانه محل اهتمام املصريني منذ القدم، وقد برزت أزمة بــني مـصـر وإثـيـوبـي­ـا بسبب ســد الـنـهـضـة الـــذي يـــؤدي إلى انخفاض منسوب نهر النيل بنسبة .%25 وقد هدد اإلخوان في سنة حكمهم بضرب هـذا السد بإرهابهم املعهود، وقد أراد الله بمصر وأهلها خيرًا فكان الرئيس السيسي الذي ذهـب إلـى إثيوبيا موقعًا على اتفاقية مبادئ سد النهضة الستخدام منابع النيل بحيث ال يموت الشعب اإلثيوبي وال تتضرر حضارة مصر التي يعكسها النهر الخالد بتحفه ومـتـصـدرة فـي صفحتك يـا جميل، واألمـــل فـي طـي صفحة هـذا الخاف باتت أكثر تـفـاؤال برئاسة الدكتور أبـي أحمد للحكومة اإلثيوبية الجديدة وهـو من شعب األورمــو كأول رئيس مسلم إلثيوبيا. * كاتب سعودي

 ??  ??

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia