Okaz

هجوم ترمب على أوبك.. هل يضحي بأصدقائه ؟

-

لم يترك الرئيس ترمب عالقة اقتصادية دولية تمس مصالح الواليات املتحدة إال وهاجمها؛ من منطق الضرر املتوقع لحاقه بتلك املصالح، داعيا إلى ضـرورة إعـادة تشكيل هذه العالقات بحيث تحقق الـتـوازن بني مصالح الــدول، حسب قوله. وبسبب ذلـك - توقع لحاق الضرر بمصالح أمريكا- انسحب وأطاح باتفاق باريس للمناخ، إذ رأى فيه محاربة للوقود األحــفــو­ري، بما في ذلك الفحم والنفط، وهما املصادر التي تمتلك احتياطيات كبيرة منه. واتفاق باريس يمثل، في حقيقة أمره، صراعا اقتصاديا

ا بني الدول األطراف فيه، بعيدا عن قضية حماية املناخ، أو لنقل بأنه اتفاق محفوف بالكثير من عدم اليقني. وكــذلــك حـــارب الـرئـيـس تـرمـب مختلف االتـفـاقـ­يـات التجارية العاملية، وانسحب مـن أغلبها مشترطا للعودة إليها إعادة التفاوض بشأنها في كل صغيرة وكبيرة. ولم يكتف بذلك بل بدأ بفرض سلسلة من الرسوم الجمركية على بعض الواردات؛ حـمـايـة للسلع األمـريـكـ­يـة وتــعــزيـ­ـزا لتنافسيتها. وتـلـك حرب تجارية بمعنى الكلمة، اختص بها بعض الــدول الصناعية، وفي مقدمتها الصني. ومن صور تلك الحرب أيضا تسميته ملنظمة التجارة العاملية بـ «أم الكوارث». وهو بذلك قد عطل كثيرا من قوانني العوملة، وهو وإن تراجع عن بعض مطالبه بشأن قوانني تلك املنظمة، إال أنـــه تــراجــع تكتيكي، لــن يـتـوانـى عــن أن يـعـود إلـيـه مرات ومرات. وفي ظني أن خطواته تلك املراد بها أن يجعل من نفسه زعيما لالقتصاد العاملي، أيــا كانت طبيعة ومحتوى تلك الزعامة؛ ليطبع لنفسه بصمة على صفحات التاريخ، كيفما جاء نوع تلك البصمة. لــذا فـال يجب أن نستغرب تغريداته األخــيــر­ة، وهجومه على منظمة أوبـــك واتـفـاقـه­ـا الـقـائـم بتخفيض اإلنــتــا­ج النفطي، - وهو االتفاق الذي بدأ مع بداية عام )2017( -، ووصفه لذلك االتفاق بأنه تصرف أدى إلى ارتفاع مصطنع في أسعار النفط، وأنه غير مقبول على اإلطالق، وهو ما يأذن ببدء مواجهة مع الواليات املتحدة تحارب فيها اتفاق أوبك. وحمدت الله أن تأخر طرح شركة أرامكو السعودية في سوق نيويورك إدراكا ملخاطر ذلك الطرح في ذلك الحني. كما أن طرح أرامـكـو قـد أصبح أكثر وضـوحـا وحـــدة عـن ذي قبل؛ فقانون «جـاسـتـا» ال يــزال سيفا مسلطا على الشركة بصفتها شركة مملوكة للحكومة السعودية؛ ولـذا فـإن القضايا التي سترفع الحقا ستكون أكثر عددا وأشد إيالما. ومن هنا أتت حكمة التريث في طرح أرامكو ليس بسبب عدم وصول سعر النفط إلى مستويات عليا مستدامة - كما يصرح بـعـض املــســؤو­لــني - ولــكــن لـلـحـاجـة إلـــى إجــــراء تـقـيـيـم شامل لعملية الــطــرح، لـيـتـبـني مــن نـتـائـجـه مـــدى الــحــاجـ­ـة لطرحها لالكتتاب دوليا أو محليا، أو طرحها محليا أو تأجيل طرحها خــاصــة فــي ظــل تـحـسـن أســعــار الــنــفــ­ط. وأعــتــقـ­ـد أن كــل بدائل اكتتاب أرامـكـو هـذه مـازالـت مطروحة وخاضعة للتقييم في إطار املزايا والتكاليف الناجمة عن كل بديل على حدة. ومن األسئلة التي وجهت إلي منذ هجوم الرئيس ترمب على أوبك سؤال جاء في صورة استغراب من هذا الهجوم، خاصة أن الــواليــ­ات املتحدة قـد بــدأت فـي تصدير النفط، فكيف بها تعمل على اإلضــرار بصادراتها تلك، وهـي التي تستفيد من ارتفاع األسعار في ظل ارتفاع تكلفة إنتاج النفط الصخري؟ وقد أجبت عن هذا التساؤل بالتالي: أوال: الــواليــ­ات املتحدة لـم تـبـدأ فـي تصدير النفط إال أخيرا، وصـادراتـه­ـا النفطية ال تزيد على مليون وثالثمئة وأربعني ألـــف بـرمـيـل ــا، وهــي كـمـيـات ضئيلة قـيـاسـا إلــى مجمل إنتاجها الذي يقترب من مستويات األحد عشر مليون برميل

ا. ولن يتأثر منتجو النفط الصخري مع انخفاض تكاليف إنتاجه من مستويات أعلى من ثمانني دوالرا للبرميل إلى أقل مـن ثـالثـني دوالرا للبرميل، نتيجة للتطورات التكنولوجي­ة املتالحقة، ورفع مستوى كفاءة اإلنتاج وهي عملية ديناميكية مستمرة. ثـانـيـا: واردات الــواليــ­ات املـتـحـدة مــن النفط تـزيـد قليال على

ا. وذلك يعني أنها تستورد نفطا أكثر بكثير مما تـصـدره، في ظـل كونها أكبر مستهلك عاملي للنفط، واستهالكها يعادل ضعف استهالك ثاني أكبر مستهلك عاملي، وهو الصني. ثــالــثــ­ا: تــدعــي الــواليــ­ات املـتـحـدة والــــدول الـغـربـيـ­ة بـــأن أسعار الــوقــود للمستهلك النهائي قـد ارتـفـعـت؛ فـالـواليـ­ات املتحدة

َِّ تحتج ألن سعر الجازولني فيها قد ارتفع أخيرا إلى )$2.75( للجالون، متناسية الضرائب املرتفعة على منتجات النفط في الدول الغربية وإن كانت الواليات املتحدة أقلها. وإذا كـانـت هنالك أسـبـاب سياسية غير معلنة لـهـذا الهجوم فتتلخص في التالي: الواليات املتحدة متضايقة جدا من التعاون القائم بني روسيا وأوبــــك، لـتـدعـيـم األســعــا­ر عــن طــريــق تخفيض اإلنــتــا­ج، وهو الـتـعـاون الـــذي تــعــده أمـريـكـا الـتـفـاف ـا عـلـى العقوبات االقتصادية املفروضة من الغرب على روسيا. وعلى الـرغـم من أن الجزء األكبر من نجاح اتفاق أوبـك يعود إلــى الـتـدهـور اإلجــبــا­ري الناتج عـن انخفاض مستوى إنتاج فنزويال من النفط، - وهو انخفاض ال يقل عن مليون برميل

ا - وال عالقة لـه بـاالتـفـا­ق، إال أن ذلــك ظهر وكــأن هنالك التزاما كامال باالتفاق. وباإلضافة إلى ذلك، فإن استفادة إيران من ارتفاع أسعار النفط تضر بمصالح كثير من الـدول، ومن بينها الواليات املتحدة. وفي الختام، أرجو أال تـقـدم أوبك على تحدي هجوم الرئيس ترمب علنا، وأن تتعامل حياله بـهـدوء؛ فاستخدامه لتعبير «االرتفاع املصطنع» فيه بعض الحقيقة؛ من جهة أن تخفيض اإلنتاج يحسن ا من األسعار، وهذه حقيقة اقتصادية. * المستشار االقتصادي والنفطي الدولي

 ?? @sabbanms ?? د. محمد سالم سرور الصبان *
@sabbanms د. محمد سالم سرور الصبان *

Newspapers in Arabic

Newspapers from Saudi Arabia