رجــل فـاضــل !
اكتشفت ذات عام أن أحد العاملن األفارقة عندي بال هوية، فناديته واستفسرت منه ! فقال لي: هذه هي الحقيقة، ليس عـنـدي أي جـــواز وال إقــامــة. فقلت لــه: ال حــول وال قــوة إال بالله، وتوجهت على الفور إلى سمو وزير الداخلية.. فقال لي: اذهب إلى يوسف فاضل صاحبك، ولن يخذلك. وكـنـت أعـــرف األخ يـوسـف مــن ســن الـشـبـاب لكنها معرفة غير وثيقة، فقد كنت أراه كل عصر في حارة الشامية بمكة املكرمة يجيء مع صديقه محمد عالم ويجلسان في إحدى البرزات التابعة ملطوف معروف، فإذا جاء املغرب توجها إلـــى بـــاب زيـــــادة ألداء صـــالة املــغــرب ثــم الــعــشــاء بعدها، وعــلــمــت أنــهــمــا يــتــســامــران بــعــد صـــالة الــعــشــاء لـكـنـي لم أشاركهما، ثم انتقلت إلى جدة، وسافر األخ يوسف فاضل فـي بعثة دراســيــة إلــى مصر حيث التحق بكلية الشرطة حتى تخرجه. بعد ذلـك كنا نلتقي فـي بعض املناسبات فـي جــدة، وكنا إذا بدأنا الحديث نسمع تعليقات أصدقائنا من أهل جدة يقولون اجتمع «املـكـاكـوة»، وكانت هـذه الكلمة سببًا في توطيد العالقة بيني وبن األخ يوسف – عليه رحمة الله-. وشـــاءت األقـــدار أن يسافر الـعـامـل املــذكــور بعد تصحيح وضـعـه بـجـواز سفر نيجيري وإقــامــة نظامية، سـافـر إلى مصر وتــزوج هناك وجـاء إلـى جـدة يطلب إضافة زوجته إلى إقامته، وملا فاتحت األخ يوسف فاضل، وقد أصبح من قيادات إدارة الجوازات في جدة ضحك وقال أشوف املسألة تــطــورت، مـن جــواز نيجيري إلــى عقد نـكـاح مـصـري، إلى إقامة سعودية ! فقلت له وأنا أضحك: الرجل يريد تابعية بدال من اإلقامة. فقال: الله يوفقه، لكن ما عندي صالحية إال بإضافة زوجته إلى إقامته. هذا هو أخي وصديقي يوسف فاضل، الذي لقي وجه ربه األسـبـوع املـاضـي، وأشـهـد أنــه كــان خـدومـًا لطيف املعشر، وكان أهال للثقة التي وضعها فيه والة األمر خادم الحرمن الشريفن امللك فهد بن عبدالعزيز، ووزير الداخلية األمير نايف بن عبدالعزيز – رحمهما الله .وقـد شرفني اللواء يوسف فاضل في منزلي بعد تقاعده عدة مــرات، لكنه كان قليل الكالم، وكـان يحسن اإلنصات، وكان يترك في نفوس الحاضرين مودة ال تخطئها العن، وقــــد خــــدم الـــدولـــة فـــي الــــجــــوازات وخــــدم املــواطــنــن دون بيروقراطية أو تكبر، مما يدل على نفس متواضعة تخاف الله وترجو مثوبته. رحمه الله وأبدله دارًا خيرًا من داره وأهال خيرًا من أهله، وإنا لله وإنا إليه راجعون.