محمد بن سلمان والتحوالت اإليجابية
يعيش املـجـتـمـع الــســعــودي حـالـيـًا املرحلة األولـــى لـلـمـشـروع الـتـنـمـوي الـحـديـث الذي وضـــع لـبـنـتـه املــلــك ســلــمــان بــن عبدالعزيز مـــن خــــالل تــبــنــي رؤيــــــة األمـــيـــر مــحــمــد بن سلمان، ملسيرة التنمية، املتمثلة في رؤية ٠3٠٢ وبرنامج التحول الوطني؛ إذ تمكن األمـــيـــر الـــشـــاب خــــالل الــســنــتــني املاضيتني أن يــحــقــق تــقــدمــا كــبــيــرا فــــي الـــعـــديـــد من املجاالت السياسية واالقتصادية واملعرفية، رغـــم وجــــود بــعــض الــقــصــور فــي الجوانب التطبيقية للرؤية، وهذا أمر طبيعي يحدث مــع جـمـيـع خـطـط التنمية فــي دول العالم بما فيها املتقدمة، إال أن اإلنجاز األهـم من وجــهــة نــظــر عــلــم االجــتــمــاع الــســيــاســي هو قدرة األمير على إحداث تحول إيجابي لدى الكثير مـن السعوديني فـي نظرتهم، تجاه قــضــايــا عــــدة، كــانــت تــحــول نــوعــا مـــا دون املـشـاركـة اإليـجـابـيـة فــي املــشــروع التنموي السعودي ومنها على سبيل املثال: ١-الــشــعــور اإليــجــابــي بــاألمــن االجتماعي لــــوضــــوح الــــرؤيــــة الــســيــاســيــة فــــي مسيرة استقرار بيت الحكم السعودي. ٢- رفع الوعي املجتمعي حول أهمية تنويع مصادر الدخل وعــدم االعتماد على النفط كمصدر أساسي للدخل. 3-اإلقبال على العمل وفي مختلف املجاالت املــنــاســبــة مـــن قــبــل الــشــبــاب ذكـــــورا وإناثا وتجاوزهم ملفهوم أن العمل والكسب الحالل واإلنتاج أمر معيب مجتمعيا. ٤- تــعــزيــز الــثــقــة فـــي الـــشـــبـــاب السعودي والتأكيد على إمكاناتهم التنافسية داخليا وخارجيا. 5-رفع قابلية الفرد السعودي لتحمل بعض األعباء املالية لخدمات كانت تقدمها الدولة دون مقابل. 6-نـظـرة املجتمع إلــى أهمية الترفيه الـبـريء فـي بناء الشخصية السعودية، أضف إلى ذلك وجود قناعات إيجابية لدى السعوديني بشرائحهم كافة، أن الرؤية لـم تــأت مـن فــراغ، بـل نتيجة شعور باملسؤولية التاريخية، دفعت األمير الشاب للبحث عن حلول إبداعية وعقالنية مستشرفة مستقبل السعودية، مسايرة لركب الحضارة وضامنة بإذن الله استدامة الدولة، بما يتوافق مع متطلبات املرحلة في براغماتية خالقة. وال يعني هـذا التحفز نحو املستقبل واستشرافه من قبل األمير أن الرؤية ستكون بالضرورة خارجة عن السياقني الديني واملجتمعي املعتبرين كما يتمناه طرفا النقيض من دعاة الغلو أو االنفالت، فقد بنيت الرؤية في ضوء مبادئ مستمدة من العقيدة اإلسالمية كإطار مرجعي، إضافة إلى احترامها العميق والكامل لألعراف االجتماعية املعتبرة، والقيم املنبثقة من البيئة املنسجمة مع طبيعتها، آخذة في االعتبار أال تكون الرؤية أسيرة، وال سائرة في أنساق معرفية وافدة، وأال تكون خاضعة ملناهج دخيلة، ال تتسق مع املجتمع وخصوصيته املعرفية والسلوكية. وتــأتــي إشـكـالـيـة الـتـطـرف بشقيه الـديـنـي والــالديــنــي مــن الـتـحـديـات الــتــي واجهها الـسـعـوديـون فــي املــاضــي وستواجهها الــرؤيــة فــي الـحـاضـر واملستقبل، إال أن امللك سلمان وبحكمة متناهية عززتها خبرته التراكمية في الحكم واإلدارة ودراسة عميقة للتاريخ وتجارب الدول، يسهم بقوة في تعزيز طموح األمير الشاب وضمان سالمة خـطـواتـه اإلصــالحــيــة الـسـريـعـة واملـتـتـابـعـة ليعمل عـلـى إنـضـاجـهـا وتكييفها وفق متطلبات املجتمع ومصالحه الدينية والدنيوية. ومــن أجلى صــور نضج رؤية األمير وتكييفها مع متطلبات املجتمع ومصالحه، التأكيد املستمر الذي يصدر من األمير في مناسبات داخلية وخارجية بأن ما تقوم به السعودية اليوم من إصالحات، ما هو إال عودة باملجتمع إلى ما كان عليه قبل عام ٩7٩١م والتخلص مما جاء بعد ذلك العام من تحوالت فكرية خارجة عن املنهج السعودي املعتدل والسائد قبل ذلك، وتأكيده الدائم بأن القيادة في السعودية مازالت محافظة على سالمة املنهج الــذي قامت عليه دولـتـهـم، وهــذا ضــرب مـن فنون الـقـيـادة الحكيمة واإلدارة الـنـاجـحـة، الـتـي يـمـارسـهـا األمــيــر فــي مجمل قــراراتــه فهو يتصف بـمـهـارات قيادية ذات قــدرة مـرنـة، تسمح باقتباس األفكار ودمجها، وتشجيع اإلبداع، وترتيب األولويات التنموية، مصحوبة بكاريزما فريدة كسب بها العقول والقلوب مما يسهل مهمته -بإذن الله-، ويمكنه من تحقيق حلمه من خالل رؤيته لسعودية املستقبل.