«التخصيص» و«احلوكمة».. جنة اخلدمات
دخــلــت رؤيــــة املـمـلـكـة 2030 مــرحــلــة جديدة وبالغة األهمية، بعد اعتماد مجلس الشؤون االقتصادية والتنمية لخطة تنفيذ «برنامج الــتــخــصــيــص»، لــتــدخــل الــخــطــة مــراحــلــهــا الـتـنـفـيـذيـة التي تسير بشكل متسارع ومتناغم إيجابيًا مع ما تم التخطيط له نظريًا، والتخصيص هو أحـد برامج الـرؤيـة وأعمدتها الــرئــيــســيــة، ومــعــنــي بــالــتــوســع فــي خـصـخـصـة الــعــديــد من الــخــدمــات واألصــــول فــي الـقـطـاعـات الحكومية املـالئـمـة أو الــقــابــلــة لـلـخـصـخـصـة، وهــــذا الــتــوجــه يــعــنــي أن عــــددا من الـــوزارات واملؤسسات الحكومية سـوف تتخلى عن تشغيل خــدمــاتــهــا الــعــامــة واإلنـــفـــاق عـلـيـهـا وعـــن بــعــض أصولها لصالح القطاع الخاص الذي سيتولى عنها هذا الدور مقابل أن تكون هذه املؤسسات الحكومية جهات تشريعية ورقابية لضمان جودة الخدمات املقدمة من قبل مزودي الخدمة. وعــلــى صــعــيــد عــــام، األهــــــداف املــأمــولــة واملــتــوقــعــة مـــن أي خـصـخـصـة حـكـومـيـة تـتـمـثـل فــي تـحـقـيـق 8 نــتــائــج، وهي تحقيق عوائد مالية للدولة، ورفع كفاءة اإلنفاق الحكومي، وزيــادة الفرص االستثمارية للشركات األجنبية واملحلية، وتفعيل دور القطاع الـخـاص ومشاركته فـي دعــم التنمية الوطنية املستدامة، وزيادة اإلنتاج وتطوير األداء الحكومي، وخلق املزيد من الفرص الوظيفية، وأخيرًا واألهم بالنسبة لـلـمـواطـنـني واملـقـيـمـني هــو رفـــع مـسـتـوى جــــودة الخدمات الحكومية العامة، باعتبار أن شركات القطاع الخاص سوف تتنافس على تقديم هذه الخدمات. وبعيدًا عن أي تصورات وردية ومفرطة في اإليجابية، نضع في االعتبار أيضًا أن التوسع في «الخصخصة» ليس طريقًا ســهــال مــفــروشــًا بـــالـــورود، فـهـي تـعـد مـرحـلـة إستراتيجية مفصلية، فنتائجها تضع الجهات املشرعة والتنفيذية على مفترق طرق من خالل 3 احتماالت، األول هو تحقيق جميع النتائج اإليجابية ملـشـروع التخصيص وبالتالي إحداث نقلة حضارية واقتصادية مذهلة، واالحـتـمـال الثاني هو تخفيف األعـبـاء على القطاع الحكومي مـن خــالل تقليص اإلنفاق على الخدمات ولكن دون أن تتحسن الخدمات من قبل مزودي الخدمة، أما االحتمال األخير وهو فشل مشاريع الخصخصة ويتمثل ذلك في عدة أوجه، منها حدوث خلل فـــي تــقــديــم الــخــدمــات املــســتــهــدف تـخـصـيـصـهـا أو خروج املـسـتـثـمـريـن لــعــدم تـحـقـيـق جــــدوى اقــتــصــاديــة أو حدوث احتكار من قبل املستثمر األجنبي وهو ما يتسبب إجماال في رفع تكلفة الخدمات يتبعها إحــداث خلل في املنظومة االقتصادية ونتائج عكسية عديدة غير مرغوبة. ولــكــن األرجــــح هــو أنــنــا تـحـت مظلة رؤيـــة 2030 متجهني لتحقيق الـنـتـائـج اإليـجـابـيـة املـتـوقـعـة مــن الـتـوسـع القادم فــي «بــرنــامــج الــتــخــصــيــص»، وذلــــك لــعــدة أســبــاب رئيسية وجوهرية، من أبرزها الخبرة الحكومية املكتسبة في مجال الخصخصة، علمًا بأن برنامج التخصيص قد انطلق منذ أكـثـر مــن عقدين فــي الــعــام 8141هـــــ، وبـالـتـالـي تـوجـد لدى القطاعات الحكومية املختلفة خبرة كبيرة في التعامل مع الخصخصة، ويلي ذلك تحديد األهداف والغايات والنتائج املــســتــهــدفــة مـــن املــــشــــروع بــــاألرقــــام وعـــلـــى املـــــدى القصير والبعيد، وقد تم تحديد هذه الجزئية بما فيها القطاعات التي سيتم تخصيصها، حيث إن «بـرنـامـج التخصيص» يستهدف مساهمة قدرها 40-35 مليار ريـال في اإليرادات غير النفطية و41 مليار ريـال في الناتج املحلي اإلجمالي واستهداف استثمارات غير حكومية بقيمة تفوق 60 مليار ريـــال وخــلــق نـحـو 12 ألـــف وظـيـفـة وكـــل هـــذه املستهدفات مجدولة زمنيا بحلول عام ،2020 أي بعد أقل من 30 شهرًا مــن يـومـنـا هـــذا، كـمـا أن الــجــهــات الـحـكـومـيـة بـــدأت مسبقًا تطبيق آلـيـات ذات معايير عاملية دقيقة فـي قياس مؤشر األداء الحكومي )KPI( دوريــًا منذ أكثر من عامني وتزامنا مع إنشاء املركز الوطني لقياس أداء األجهزة العامة «أداء» بموجب قرار مجلس الوزراء رقم )3( بتاريخ ،ـه6/1/1437 بـاإلضـافـة إلــى الـتـطـورات األخـيـرة الـصـارمـة والـحـازمـة في ملف «مكافحة الفساد» وتعزيز مبادئ وقيم الشفافية، وهذا جزء يسير من العوامل اإليجابية التي مهدت ألرضية صلبة وبيئة مناسبة إلنجاح هذا البرنامج. أما العامل الرئيسي وحجر األساس في نجاح هذا املشروع عمليًا، فيكمن في التطبيق املقنن والـصـارم لـ«الحوكمة»، وهـي مصطلح فضفاض باعتبار أنها مزيج مـن القوانني والنظم والقرارات واألساليب التطبيقية والقواعد واملبادئ املسنة إلدارة املؤسسات والتنسيق بني القطاعات املختلفة والرقابة عليها من قبل الجهات الحكومية لتحقيق الجودة والــتــمــيــز فـــي األداء، وبــالــتــالــي تـحـقـيـق أهـــــداف «برنامج التخصيص» يعتمد على هـذه التشريعات وعلى مستوى الرقابة والشفافية، وتطبيق الحوكمة يضمن أعلى فرص االســتــدامــة فــي جـــودة األداء والـنـتـائـج اإليـجـابـيـة وتجنب وتقليص املـخـاطـر، وقــد قــام مجلس الــشــؤون االقتصادية عمليًا بتطوير نظام حوكمة متكامل للرؤية؛ لضمان مأسسة العمل ورفـع كفاءته وتسهيل تنسيق الجهود بني الجهات ذات العالقة، ووزعــت املسؤوليات على 3 مستويات، وهي رسم التوجهات وتطوير اإلستراتيجيات، ومراقبة اإلنجاز، أما فيما يخص «برنامج التخصيص» فتوجد حوكمة من خالل «املركز الوطني للتخصيص» واملعني بإدارة ومتابعة هــذا املــشــروع وفــرض رقـابـة على الـجـهـات الحكومية التي تقوم بتخصيص خدماتها. واملــتــوقــع مــن هـــذا املـــشـــروع هــو نــفــض الــغــبــار عــن القطاع الخاص والدفع به من خالل خلق بيئة استثمارية تنافسية نحو رفع معايير الجودة الشاملة وإحداث نقلة هائلة ليس فقط على مستوى جــودة الخدمات العامة بل على صعيد تـطـويـر هــذه الــخــدمــات والـتـفـنـن فــي االبــتــكــار واإلبــــداع في تـوظـيـف أحـــدث وســائــل التكنولوجيا فــي الـقـطـاعـات التي سيتم تخصيصها مثل التعليم والصحة والبريد والزراعة واملياه.. إلخ. وهـذا الحلم ليس كبيع السمك في املـاء والطير في الهواء، كما يظن بعض املحبطني، فلسنا بعيدين عن ،2020 وإن غدا لناظره قريب.