عناد املطيري ينصف الليل من جور امرئ القيس والنابغة
سكنتني أبيات الشاعر عناد املطيري، وربما تعد قصيدته (خــذ راحـتـك مـا غير أنــا وأنــت والليل) قصيدة البيت الواحد، وليس هذا مأخذًا، إذ كثيرا ما طفر بيت واحــد على مجمل النص حتى غدا هو بيت القصيد ومحور قوته ومكمن إعجازه. لـــم يــكــن الــلــيــل بــمــعــزل عـــن اشـــتـــغـــاالت الشعراء والفنانني، بل يكاد يكون مختبر الوعي الفني، إذ فيه مساحة كافية ملناجاة محبوب، وبث آهة، ومـسـامـرة قـمـر، وتهجي قــامــوس نــجــوم، وبرغم الــحــالــة الــرومــانــســيــة املـتـمـاهـيـة مــع إقــبــال ملهم املــبــدعــني إال أن امـــرأ الـقـيـس لــم يـحـفـل بــه كثيرًا ولعله خلده في صورة قاتمة بما مثله له من كآبة ومخاوف «وليل كموج البحر أرخى سدوله، علي بأنواع الهموم ليبتلي، فقلت له ملا تمطى بصلبه، وأردف أعجازًا وناء بكلكل، أال أيها الليل الطويل أال انجل، بصبح ومـا اإلصباح منك بأمثل». في حني يشبه النابغة الذبياني حبيبه بخطاطيف تمدها يـد الليل الصـطـيـاده «فـإنـك كالليل الذي هــو مـــدركـــي، وإن خــلــت أن املــنــتــأى عــنــك واسع، خطاطيف حجن فـي حـبـال متينة، تـمـد بها أيد إليك نوازع». في حني يذهب شاعرنا املطيري إلى أنسنة الليل وتــحــويــلــه إلـــى صــديــق ثــالــث لـــه وملــحــبــوبــه، بل ويمنحه الثقة املطلقة في أن يعرف السر ويؤتمن عليه فيخاطب الحبيب «خـذ راحـتـك مـا غير أنا وأنــت والليل، والليل مـأمـون على سـر األحباب» لـيـقـلـب املــعــادلــة ويـجـعـل مــن الــظــام رفــيــق درب ونــديــم مــســامــرة، مـخـالـفـًا مــا ذهـــب إلــيــه الشاعر مـحـمـد الـثـبـيـتـي «فــمــتــى كــانــت لــيــالــي املدلجني خليلة، ومتى متى كان الظام صديقا». وبحكم استيعاب املطيري تجارب آبائه الشعراء في عصور مختلفة يستلهم مسامرة عمر ابن أبي ربيعة ويتقاطع مع حالته وإن بالاوعي «وغاب قمير كنت أرجو غيوبه، وروح رعيان ونوم سمر، فيا لك من ليل تقاصر طوله، وما كان ليلي قبل ذلـــك يـقـصـر» فـيـقـول «خـــل الــقــلــوب الــلــي عطاشا مغاليل، تروي لهيب الشوق يوم القمر غاب». ويستمر تـداعـي الـصـور فـي نـص فـاتـن بتحريك املشهد الدرامي، ليدخل املتلقي مع الشاعر حالة الــتــواصــل اإليــحــائــي ويــتــداخــل ســـواد الــهــدب مع سواد الليل، ويحيل دقة الشعرة إلى سيف جارح «سود العيون اللي هدبها مظاليل، تجرح سكون الليل في همس األهداب». وبما أن الشاعر حـاول التماهي مع لقاء الخفية ليجعل منه وقود كلماته، وبقدر جسارته مطلع النص على التماسك وإبداء اإلعجاب باللحظات الخاطفة وإن غير مقصودة ودون تـرتـيـب مسبق إال أنـــــــــه ينكشف ويــعــتــرف «الحب ما تحييه غير املـــــــواصـــــــيـــــــل، وإال بــــــدونــــــه تــصــبــح أقلوبنا أغراب، أعلن خضوعي لـــــن مـــــا عــــــاد بي حـــــــيـــــــل، فيما مـــــضـــــى منك الــجــفــا مـــا له حساب».